حماس ومعضلة الإرهاب في سيناء
بقلم: أنور رجب
الهجوم الإرهابي الأخير الذي استهدف نقطة تمركز للجيش المصري في جنوب رفح بمحافظة شمال سيناء قبل أسبوعين، وأسفر عن استشهاد وجرح 26 جنديا وضابطا على رأسهم قائد الكتيبة 103 صاعقة، أثار العديد من التساؤلات ذات العلاقة بحجم ونوعية الإرهابي وتوقيته ودوافعه، كما أعاد الجدل من جديد على الأقل في الإعلام المصري وبرامج التوك شو حصراً حول تورط حماس فيما يجري في سيناء من عمليات إرهابية تستهدف القوات المسلحة المصرية، لا سيما وأن أربعة عناصر ممن شاركوا في الهجوم ينحدرون من قطاع غزة، ومعروفين بانتمائهم لكتائب القسام، وتزامن هذا الهجوم مع الإجراءات التي اتخذتها حماس على الحدود مع مصر(المنطقة العازلة)، ونشر مزيداً من عناصر أجهزتها الأمنية، والحديث عن إجراءات أخرى تشكل استجابة للمطالب الأمنية المصرية من حماس لضبط حركة تنقل السلاح والإرهابيين بين غزة وسيناء والتوظيف المتبادل فيما بينهما.
جاءت هذه العملية في وقت انخفضت فيه قدرة الجماعات الإرهابية منذ بداية العام الحالي على تنفيذ هجمات نوعية وصلبة في سيناء على شاكلة الهجوم الأخير، واستعاضت عنها بعمليات رخوة مثل مهاجمة الأقباط، والكمائن الأمنية المعزولة، وزرع العبوات الناسفة، وظهر هذا الضعف أيضاً في تباعد الفترات الزمنية بين العمليات التي يشنها الإرهابيون، وقد ساهم الجهد العسكري والأمني المصري بلا شك في هذا التراجع، والذي تعزز بإعلان عدد من القبائل البدوية (الضد النوعي) ذات الثقل في سيناء الحرب على تنظيم ولاية سيناء الداعشي، ناهيك عن الهزائم التي لحقت بتنظيم داعش في سوريا والعراق وليبيا، مما جعل من هذا الهجوم في اتجاه معاكس للنتائج المتوخاة والمفترضة لهذه التطورات.
تمتلك الدولة المصرية وأجهزتها الأمنية معلومات مؤكدة وموثقة حول مشاركة حماس بشكل مباشر في تقديم الدعم والإسناد لجماعات الإرهاب، فتستقبل معسكراتها في غزة عناصر من جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية وتقدم لهم التدريب والسلاح والمتفجرات والخدمات اللوجستية (عملية اغتيال النائب العام المصري هشام بركات نموذجاً)، وشاركت جماعات إرهابية مقربة منها مثل جيش الإسلام في هجمات دموية سابقة منها مجزرتا رفح الأولى والثانية، واستباحتها لسيناء فترة حكم الإخوان، ناهيك عن استقبالها الجرحى من عناصر الإرهاب وعلاجهم في مستشفيات غزة، وفتح الأنفاق على مصاريعها أمامهم للتنقل وتهريب السلاح. وبالرغم من إدانة حماس ولأول مرة الهجمات الإرهابية في سيناء وبهذه القوة والوضوح، واتخاذها إجراءات مشددة على الحدود، ونشر الحواجز الأمنية في شوارع غزة "فيما يحمل إقراراً بوجود علاقة بين غزة وسيناء"، إلا أن هذا لم يقنع الإعلام المصري ببراءة حماس من دور لها في هذا الهجوم، مع الأخذ بعين الاعتبار أن بعض البرامج التي قادت الحملة الإعلامية ضد حماس معروفة بقربها من دوائر أمنية مصرية، وأنها جاءت في ظل التفاهمات الأمنية بين المخابرات المصرية وقيادة حماس في غزة، وهذا يحمل دلالة مفادها أن ثقة الدولة المصرية في أن تكف حماس عن التدخل في الشأن المصري، ودعم وإسناد الجماعات الإرهابية هو أمر محل شك كبير من قبل المصريين عامة وليس المؤسسات الرسمية وحسب، ولكن لماذا هذا التشكيك بمصداقية حماس والتزامها بتنفيذ المطالب الأمنية المصرية؟
الجواب هو، أولاً: وجود سوابق نقضت فيها حماس اتفاقياتها والتزاماتها اتجاه تنفيذ المطالب المصرية، وإتباعها لسياسة المناورة والمدارة والتذاكي في التهرب من تلك الالتزامات. وثانياً: أن حماس لم تقنع أحداً بفك ارتباطها بجماعة الإخوان، وتربطها أواصر علاقة مصيرية مع جماعة إخوان مصر التي تضطلع بدور كبير في نشر الإرهاب في ربوع مصر عبر اذرعها العسكرية مثل حركة حسم وغيرها، بهدف ضرب استقرار مصر ونشر الفوضى والإرهاب فيها بالتعاون مع قوى إقليمية تتهمها مصر بدعم جماعة الإخوان مثل قطر وتركيا، وكلتاهما ترتبطان بعلاقات قوية مع حركة حماس، التي سبق وان استقبلت عناصر الإخوان في معسكراتها. وثالثاً: أن حماس وفي سياق رغبتها بالتخلص من عبء الجماعات الإرهابية في غزة، عملت على تصدير عناصر هذه الجماعات إلى سيناء، وهذا ما لا يمكن تفسيره بحسن النية، وربما ارتفاع عدد قتلى الإرهابيين من غزة أثناء مشاركتهم في عمليات إرهابية على أراضي سيناء في الأشهر الأخيرة يؤكد هذا الأمر. ورابعاً: ميكافيللية حركة حماس "الغاية تبرر الوسيلة" وسيطرة العقلية الإخوانية النفعية عليها في إدارة علاقاتها الإقليمية، يجعل الافتراض السائد هو أن حماس تتوخى من هذه التفاهمات أن تعبر اللحظة الحرجة جداً التي تعصف بها (الانحناء للعاصفة) خاصة بعد مؤتمر الرياض، وتداعيات الأزمة مع قطر، وتشديد الضغط عليها من قبل السلطة الوطنية، ومن ثم تعود أدراجها لما كانت عليه سابقاً.
ومن زاوية أخرى فان قيادة حماس الخارج التي تعيش أزمة الجغرافيا وخروجها من دائرة التأثير على القرار الحمساوي، وجزء كبير من حماس الداخل لا سيما الأكثر تشدداً ممن يقودون مجموعات إرهابية تأتمر بإمرتهم على شاكلة جماعة "حماة الأقصى" وعلى تماس مباشر في ما يجري في سيناء ومنهم قيادات وازنة، يرفضون تفاهمات حماس – دحلان، التي هي في جزء منها ناتجة عن تفاهمات حماس ومصر، وسيجدون في العمليات الإرهابية ضد مصر ضالتهم - خاصة إذا حصلوا على دعم قوى إقليمية - لتخريب جميع التفاهمات التي تمت سواء مع دحلان أو مصر، والدولة المصرية في هذا ليس من شأنها أن تتفهم التجاذبات الداخلية في حماس على حساب أمنها ودماء أبنائها، ولن تساوم على ذلك بقضايا ذات بعد سياسي أي كان مبعثها.
بالمحصلة فان حماس ومن اجل فك ارتباطها بمسألة الإرهاب تحديداً في سيناء، تواجه معضلة حقيقية ومعقدة، تستمد تعقيدها من الأزمات التي أفرزتها أوضاع حماس الداخلية من جهة، وأزمة علاقاتها الإقليمية خاصة تلك المرتبطة بدعم وتبنى المشروع الإخواني في مصر من جهة أخرى، ومن جهة ثالثة قدرتها على دفع فاتورة استحقاق العلاقة مع مصر، وهي فاتورة مرتفعة الثمن لم يعد لعملات المناورة والكذب والتحايل مكاناً فيها، فهي إن صدقت مضطرة لان تدفع ثمن ثقافة الكراهية والحقد التي زرعتها في عقول منتسبيها اتجاه ثورة 30 يونيو ومخرجاتها، وهي التي زجت بنفسها في أتون الصراعات الداخلية في مصر عبر تماثلها مع مخططات جماعة الإخوان، وهي التي أغضبت الشعب المصري بالشماتة في دماء أبنائه ومجنديه "خير أجناد الأرض"، وهي التي رمت بنفسها في أحضان قوى إقليمية تكن العداء لمصر السيسي. فهل تفعلها حماس، أو بشكل أدق هل هي جاهزة لتفعلها؟ الأشهر القليلة القادمة ستحمل لنا إجابات شافية وكافية.