الفلسطينيون والأمم المتحدة
باسم برهوم
تاريخياً علاقة الشعب الفلسطيني سواء مع عصبة الامم التي تأسست بعد الحرب العالمية الأولى عام 1919، أو مع الامم المتحدة التي تأسست بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945 هي علاقة سلبية، علاقة ظلم دائم، انتهى عبرها الشعب الفلسطيني إلى شعب لاجئ مشرد محروم من حقوقه الاساسية، وانتهى وجود فلسطين كدولة ووطن للشعب الفلسطيني عبر الخارطة، وهو لا يزال محروما من حقه الاساس، حق تقرير المصير على أرضه.
عصبة الامم التي أسستها الدول المنتصرة في الحرب الاولى، تبنت مصالح هذه الدول ومن بينها اتفاقية سايكس- بيكو التي جزأت الوطن العربي الى دول وضعتها تحت النفوذين البريطاني والفرنسي. والأخطر بالنسبة لنا نحن الفلسطينيين، ان العصبة تبنت ايضاً وعد بلفور واسندت مهمة تنفيذه الى بريطانيا صاحبة الوعد التي منحت حق انتداب فلسطين.
الأمم المتحدة التي أسستها الدول المنتصرة في الحرب الثانية ونصبت نفسها قائدة للعالم، وجدت القضية الفلسطينية تقف على اعتابها عندما تأسست، فكانت من أولى القضايا التي بدأت بمعالجتها وطرحتها على جدول اعمالها. هذه المنظمة كالتي سبقتها "عصبة الامم" فاجأت الشعب الفلسطيني بإصدار القرار (181) الذي ينص على تقسيم فلسطين التاريخية الى دولتين، الاولى عربية والثانية يهودية. قامت الدولة اليهودية "اسرائيل" ولم تقم الدول العربية "فلسطين"، بالرغم من ان هذه الاخيرة كانت موجودة على الارض وعلى الخارطة السياسية، لكنها كانت تحت الانتداب البريطاني.
وفي سياق العلاقة بين فلسطين والأمم المتحدة، فقد أصدرت هذه الاخيرة القرار رقم (194) الذي ينص على عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم، وهو القرار الذي لم ير النور ولم ينفذ حتى اليوم.
وبعد نكبة عام 1948 وبعد ان تحول الشعب الفلسطيني الى شعب لاجئ مشرد فإنه لم يكن يعرف عن الامم المتحدة سوى انها وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" ، التي تأسست في نهاية عام 1949، وبدأت تقدم خدماتها منذ عام 1950، وتمنحه بعض المؤن والملابس والرعاية الصحية والتعليم المدرسي.
القضية الفلسطينية، كقضية شعب أو قضية حق تقرير مصير، غابت عن جدول اعمال الامم المتحدة منذ مطلع الخمسينيات من القرن العشرين وحتى 1974. حرب عام 1967 لم تكن كافية لإعادتها الى جدول الاعمال، وما جاء في القرار "242" الذي عالج تداعيات الحرب ورفض احتلال اراضي الغير بالقوة، لم يذكر القضية الفلسطينية سوى ذكراً عابراً من خلال بنوده عندما تحدث عن مسألة اللاجئين وضرورة ايجاد حل عادل لها.
عودة القضية الفلسطينية لجدول اعمال الامم المتحدة عام 1974، لم تكن خياراً، بل اجبرت عليه المنظمة الدولية بعد ان اعادت الثورة الفلسطينية بقيادة حركة فتح الشعب الفلسطيني الى الخارطة السياسية للشرق الاوسط، وبعد ان تم الاعتراف عربياً ودولياً بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ونذكر في هذا السياق الخطاب التاريخي للرئيس الشهيد ياسر عرفات امام الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي دعا فيه ألا يسقط العالم من يده رسالة السلام "غصن الزيتون".
منذ ذلك التاريخ، والمنظمة الدولية، التي تمثل الشرعية الدولية والقانون الدولي، وهي تعيد التأكيد سنة بعد سنة على الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، وهي الحق بالعودة، عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم، وحق تقرير المصير واقامة الدولة المستقلة. كما اصبحت منظمة التحرير عضواً مراقبا في الجمعية العامة ولاحقا في الامم المتحدة ومؤسساتها.
التحول النوعي في العلاقة، عندما صوتت الجمعية العامة على طلب الرئيس محمود عباس "ابو مازن"، بغالبية "138" دولة، لصالح قبول دولة فلسطين، دولة غير عضو "مراقب" في الامم المتحدة، هذا القبول وهذا الاعتراف فتح المجال لدولة فلسطين، الدخول الى منظمات الامم المتحدة، والمنظمات الدولية وخاصة محكمة الجنايات الدولية، ومنظمة الثقافة والعلوم "اليونيسكو" واتفاقية جنيف الرابعة، اضافة الى عشرات المنظمات الدولية. كما قاد ذلك الى اعتراف دول لم يسبق ان اعترفت بدولة فلسطين، اهمها السويد والفاتيكان، اضافة الى اعتراف العديد من برلمانات الدول الغربية.
كما يجدر التذكير، ان مجلس الامن الدولي، اصدر، ومنذ احتلال اسرائيل للأراضي الفلسطينية عام 1967، العديد من القرارات التي ترفض الاحتلال، وتؤكد على ضرورة تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة عليها، اضافة الى رفض وادانة كل اشكال الاستيطان والتهويد والضم.
المشكلة في كل هذه القرارات، انها بقيت حبرا على ورق، لكونها قرارات غير ملزمة بموجب البند السابع من ميثاق الامم المتحدة، كما واصلت اسرائيل رفض تطبيقها وبقيت تتصرف كدولة فوق القانون.
وبما ان الحديث يدور عن علاقة الفلسطينيين بالأمم المتحدة، فإن هذه المنظمة تتحمل مسؤولية تنفيذ قراراتها تجاه القضية الفلسطينية، فالظلم الذي يتعرض له الشعب لا يزال مستمراً، ويزداد استفحالاً، مع استمرار الاحتلال والاستيطان خاصة هذا التسارع في تهويد القدس. وبالرغم من ذلك فإننا ندرك ان المسألة لا تتعلق بالأمم المتحدة كمؤسسة، فإن من يتحمل المسؤولية، هي تلك الدول التي صاغت هذه المنظمة الدولية بما يخدم مصالحها، ومنحت نفسها حق الاعتراض "الفيتو" على أي قرار لمجلس الامن لا يتفق وهذه المصالح، والمقصود هنا تحديدا، الولايات المتحدة الاميركية، التي كانت بالمرصاد لأي قرار ملزم يصب في مصلحة الشعب الفلسطيني، كما انها هي من منع ولا تزال الاعتراف بدولة فلسطين كعضو كامل العضوية في الامم المتحدة. توجيه اللوم للولايات المتحدة وتحميلها المسؤولية الاساس لا يعفي الدول الاربع الاخرى صاحبة الفيتو في مجلس الامن، فهي لو ارادت فعلا ان تغير هذا السلوك وازدواجية المعايير لاستطاعت التأثير.
وخلاصة القول، إن الامم المتحدة لا تزال اسيرة القوى العظمى فيها وبالتحديد الولايات المتحدة الاميركية، فما دامت هي كذلك، فإن القضية الفلسطينية ستبقى هي الاخرى اسيرة الظلم، وسياسة ازدواجية المعايير، لكن بالرغم من ذلك فإن الامم المتحدة وخاصة الجمعية العامة التي سيلقي الرئيس محمود عباس خطابه امامها خلال أيام قليلة، فإنها هي الممثل للشرعية الدولية والقانون الدولي والضمير العالمي.
لذلك فإن مواصلة النضال من خلالها هو أمر مهم وحيوي، وهي، أي الامم المتحدة، احدى أهم ساحات الصراع الاساس مع اسرائيل، والقوى الداعمة لها.