مرج إبن عامر: كنز ضائع
جنين - عبد الباسط خلف: "يشبه مرج ابن عامر مثلثاً قاعدته تتشكل بداية من سفوح جبل الكرمل، وصولاً إلى شرق جنين، ويبلغ طوله نحو 46 كيلومترًا، وأما ضلعاه فيكادان يكونان متساويين، فيما تبلغ مساحته حوالي 351 ألف دونما، وتحتل جنين وقراها الشمالية الغربية نصيب الأسد منه، في زاويته الجنوبية الشرقية قرابة 6 في المئة منه، عدا ما أنسلخ عن رقبتها وأقتطع منها في النصف الأول من القرن التاسع عشر." على هذا النحو ترسم مصادر الجغرافيا والتاريخ صورة مرج ابن عامر، كما يؤكد الباحث والمؤرخ المقيم في جنين مخلص محجوب الحاج حسن.
يفيد الحاج حسن: "كان هذا السهل في العصور الجيولوجية بحيرة قريبة من الغور. والناظر إليه من جبل فقوعة الواقع في شرقه يرى دائرة من الجبال في الشمال والغرب والجنوب تحيط به إحاطة تامة، وتنساب إليه جميع مياه هذه الجبال، وفي أماكن عديدة كانت تنفجر الينابيع، التي كان بعضها يغور بالتربة، وبعضها الآخر يجري إلى نهر"جالود"، الذي ينتهي بنهر المقطع، الذي جف وتحول في معظم مقاطعه إلى مجرى مياه عادمة.
فيما تورد الباحثة علياء الخطيب:" كان المرج فيما مضى بوابة فلسطين ومفتاحها، فالفاتحون والغازون مروا من أوديته العميقة، التي كانت تصله بجميع الطرق الهامة. ويتصل المرج مع غور الأردن بالطرق التجارية التي كانت تمر بسهل زرعين مارة ببيسان، ومنها شمالاً إلى دمشق، أو شرقًا إلى مدينة أربد في الضفة الشرقية لنهر الأردن، والصحراء أو جنوبًا إلى أريحا والبحر الميت." يستلقي المرج بين جبال الجليل شمالاً وجبال نابلس في الجنوب والجنوب الغربي، وتداعبه في الشمال جبال الناصرة، فيما يرقد من شرقه وادي الجالود المنتمي لنهر الأردن.” ويحاط المرج بثلاث كتل جبلية: طابور أو الطور شمالاً، والدحي شرقاً، ثم سلسلة جبال فقوعة.
يعود الاسم إلى"بني عامر" من قبيلة كلب العربية، التي اتخذت من المرج مقراً لها مع بدء الفتوحات الإسلامية، دُعي مرج ابن عامر بأسماء كثيرة، فالعرب الكنعانيون سموه" سهل يزرعيل"، فيما دعاه اليونان بـ"سهل اسدرالون"، وعرفه اليونان باسم:سهل اللجون"، ودعاه المغتصبون باسم "الوادي" و"عيمق يزارئيل".أما تسميته العربية فمرتبطة ببني عامر من كلب من العرب القحطانية، ولا يخفي بأن قبيلتي كلب وجذام كانتا في الدولة الأموية رأس القبائل اليمنية في بلاد الشام.
ووفق المؤرخ الحاج حسن، كان المرج مسرحًا لمعركة عين جالوت في أيلول 1260 م.مثلما حدثت فيه بعض معارك الحروب الصليبية في العصور المتوسطة، ولما أنتصر فيه نابليون على العثمانيين عام 1799 بعث بفرقة من جنده لتحرق قراه. ووقعت فيه معركة جنين الأولى في حزيران 1948، ومعركة جنين الثانية في تموز 1948.
واستناداً لما أورده المُبشر والفيلسوف والرحالة الإنجليزي لورنس أوليفانت صاحب كتابي "أرض جلعاد" و"حيفا"، فإن عائلة سرسق الأرثوذكسية البيروتية الصيرفية ديّنت الحكومة العثمانية، وعليه اشترت منها الأراضي الحكومية في مرج ابن عامر. مثلما تعرضت لسوء المصير أراضي الحولة وبيسان وعكا ووادي الحوارث ويافا وطبريا وحيفا.
وقد أكد ذلك أيضًا، أمين مسعود العالم أبو بكر في كتابه" ملكية الأراضي في متصرفية القدس 1858-1918"، ومحمد الحزماوي في كتابه" ملكية الأراضي في فلسطين 1918-1948".
وبحسب عارف العارف في مجلد "النكبة" الثالث، فقد باع آل سرسق المساحة على طول سكة الحديد بين بيسان وحيفا.وساهم مالكون من عائلات مسيحية ومسلمة وبهائية في فلسطين ولبنانبية وسورية وإيرانية ببيع أراضي المرج وغيره من أراض، في جو التسيب والتسريب إبان عهد"الرجل المريض".
ووفق "دفتر مفصل في ناحية مرج بني عامر وتوابعها ولواحقها، التي كانت في تصرف الأامير طرة باي سنة 945هـ/1538 م" الذي درسه وحققه وترجمه محمد عدنان البخيت، ونوفان رجا الحمود، فقد بلغ عدد القرى في المرج في تلك الحقبة 125 قرية وبلدة، تقع معظمها بحيفا والناصرة وجنين .
وقد ذكرت الدراسة، وهي تحقيق لدفتر مفصل موجود في مركز المحفوظات بإستنبول، مظاهر الحياة السكانية والاقتصادية فيه، وعددت أصناف الزروع والثمار والثروة الحيوانية، وقدمت مجموعة من الوثائق الرسمية كالضرائب التي كانت تفرضها الدولة العثمانية على قرى مرج ابن عامر بالتفصيل.
ويورد الدفتر الحاصلات الزراعية التي كانت قائمة في المرج بالتفصيل، وهي: الحنطة، والشعير، والسمسم، والذرة، والقطن، والفول، والحمص، والرمان، والزيتون، والخروب، والتوت.
يقول العجوز محمد الحاج يوسف إبراهيم: تمتد مدينتنا على مساحة (583) كيلو متراً مربعاً، وهي على أطراف(مرج ابن عامر)، أعظم سهل داخلي في فلسطين التاريخية. يعرف أبو أنور أن المرج يجمع بين مساحة عظيمة(360 كيلو مترًا)، وموقع حيوي، وقيمة اقتصادية عالية، وتربة ذات مقدرة هائلة على الاحتفاظ بالماء، عدا عن احتوائها على عناصر مهمة، فهو الذي عمل فيه أكثر من ستين سنة مزارعاً. يصف أبو أنور شعوره: كنا نعمل وننام ونتحدث ونصيف ونشتي في هذا المرج، أما اليوم فتغير كل شيء.