"محمد اسماعيل الكحلوت"
عيسى عبد الحفيظ
من مواليد قرية نعليا عام 1936، لم يكن قد مضى على طفولته أكثر من عشرة أعوام بقليل حتى كانت نكبة شعبه. كان قد أنهى المرحلة الابتدائية في قريته ثم تابع دراسته المتوسطة في المجدل لكنه لم يستطع إكمالها بسبب النكبة واضطرار عائلته إلى الهجرة القسرية من قريته إلى مخيمات التشرد والشتات.
هاجرت عائلته إلى خان يونس التي أكمل بها دراسته الإعدادية والثانوية. أظهر تميزاً واضحاً في الذكاء ما أهله إلى أن يعمل مدرساً وهو ما زال في المرحلة الثانوية لكي يساعد عائلته التي كانت تقاسي من آثار النكبة.
تم اعتقاله أثناء عدوان 1956 مع عدد كبير من الشباب وحالفه الحظ في البقاء على قيد الحياة حيث تمت تصفية كثير من الشباب المعتقلين جسدياً على يد قوات الجيش الاحتلالي، كان الفقيد يتحدث دائماً عن تلك الواقعة لأصدقائه ولذويه.
تحت قسوة الحياة والظروف، انتقلت عائلته إلى معسكر اللجوء في جباليا عام 1957. كانت الظروف سيئة إلى درجة دفعته ليبحث عن مخرج لمساعدة العائلة فأتيحت له فرصة السفر إلى السعودية للعمل كمدرس في المدينة المنورة عام 1958، وهناك واتته الفرصة التي حلم بها دائماً وهي العودة إلى الوطن فوجد في حركة فتح التي كانت قيد التشكيل ضالته المنشودة فكان من النواة الأولى التي تشكلت هناك برفقة سعيد المزين أبو هشام (فتى الثورة) وغيره، واستمر في عمله كمدرس ونشاطه التنظيمي في الحركة حتى عام 1968 حين تفرغ في الحركة للعمل النضالي.
منذ الانطلاقة، كان لا بد من التكفل بأسر الشهداء الذين بدأ عددهم يزداد يوماً بعد يوم فتم افتتاح مكتب في عمان لتولي هذه المسؤولية وتم تعيين الأخت أم جهاد رئيساً للمؤسسة والتي قامت بإنشاء فروع لها في سوريا ولبنان، وتم اختيار أبو اسماعيل ليكون مسؤولاً للمؤسسة في عمان منذ عام 1968 وحتى عام 1971 حين غادر إلى سوريا بعد أحداث أيلول الدامية، وبقي على رأس مهمته حتى توفاه الأجل عام 1991.
هادئ الطبع، دقيق في تنظيم شؤون عمله، متفانٍ في عمل الخير وتقديم يد المساعدة ويهرع لمساعدة المحتاجين في كل الأوقات وتحت كل الظروف.
بتاريخ 28/7/1991، وبعد صراع طويل مع المرض، انتقل إلى رحمته تعالى وتم دفنه في مقبرة سحاب بالعاصمة الأردنية.
أبو اسماعيل، أحد ركائز العمل الفلسطيني الوطني وأحد الثوار المؤتمنين على عائلات الشهداء والأسرى ومن رجالات الرعيل الأول الذي فجر ثورة أعادت للشعب الفلسطيني قيمته الوطنية. كان مثالاً للصدق والإخلاص والالتزام الثوري.
حمل الأمانة بكل صدق ورجولة ورحل بعد رحلة طويلة من العطاء والكفاح. كانت فلسطين قضيته الأولى والأخيرة عمل بها بدون كلل طيلة سنوات عمره.
مجهول لم يبخل بالعطاء حتى آخر يوم في حياته فمن وطن سليب ومن ذكريات الطفولة في مسقط رأسه إلى رحلة لجوء قاسية على الكبار فما بالك على من هم في سنه.
كانت النكبة التي دفعت به إلى حمل المسؤولية وهو ما زال طفلاً يافعاً إلى الهجرة لتحصيل لقمة العيش له ولعائلته، إلى الانخراط في الثورة التي وجد ضالته المنشودة بها.
قضى أبو اسماعيل كل حياته مناضلاً مكافحاً لا يبخل في تقديم أي شيء تطلبه فلسطين مهما كان صعباً. ركب قارب الثورة الذي كان يؤمن أنه سيوصله يوماً ما إلى الوطن فلسطين.