المعابر.. نحو الوطن والشرعية
بقلم: موفق مطر
كعادتهم، استغل محترفو قنص اللحظة، وأخذوا يعملون حرفا في البوصلة حتى باتت بعيدة عن جهة الاحتلال الاسرائيلي وعدوانه قبل يومين على خان يونس بمقدار مئة وثمانين درجة، فأخذته الخطابة اللغوية الانفعالية (المقصودة الممنهجة) - وتحت كل منهما عشرة خطوط حمراء كما نعتقد - الى استخدام مصطلح (التعامل مع العدو) كبديل عن مصطلح (التنسيق الأمني) الدارج !! ، وطالب هؤلاء بتسريع وتيرة المصالحة كرد على العدوان، وكأن الوحدة الوطنية او المصالحة مجرد ردة فعل.
يعرف رئيس المكتب السياسي لحماس اسماعيل هنية أن الفلسطيني الوطني لا يتعامل ابدا مع الاحتلال، وان الرئيس ابو مازن ضرب مثلا ساميا في الوطنية، وبلغ في ايمانه بمصالح الشعب الفلسطيني العليا (لا) كبيرة في كل مواجهة كانت تستهدف النيل من كرامة وحقوق وعزة الشعب الفلسطيني، ولعل اسماعيل هنية يعلم أن الرئيس محمود عباس تصدى لأعتى واشد الضغوط التي قد توجه لرئيس او قائد، ومنها الجسدية، ورغم ذلك كان يقول ارفعوا رؤوسكم فأنتم فلسطينيون.
ان العودة للضرب على وتر التنسيق الأمني، والأخطر ما سمعناه (التعامل مع العدو) يحمل في طياته مخاطر قد تعيدنا الى تسليط الأضواء وتركيزها في بؤرة النوايا، ومحاولات استثمار ضربات الاحتلال، او توظيف هذه الضربات بما يحقق اهداف المتضررين من عبور الوطن الى غزة، وعبور غزة الى الوطن ..الى الشرعية.
قد نسمح لأنفسنا بالتساؤل، هل ذهب (البعض هذا) الى الاعتقاد بأن تجميد التنسيق مع دولة الاحتلال بعد احداث المسجد ألأقصى سيمنع وصول الحكومة الى قطاع غزة ، فقرروا حل اللجنة الادارية، على أمل عدم تمكن وزراء الحكومة من الوصول الى المحافظات الجنوبية، الأمر الذي سيظهر القيادة وكأنها المعطل للمصالحة، او على الأقل سيتم اتهامها بمنع الحكومة من مباشرة مهامها ومسؤولياتها في القطاع، أم ان (هذا البعض) لا يدرك ولا يعرف واقع الاحتلال المتحكم بحواجزه على ارضنا، فكلنا مازلنا تحت الاحتلال، وكل تنقل ما بين الضفة والقطاع يحتاج الى تنسيق، حتى حركة المعابر التجارية، ومرور شاحنات الأدوية وكذلك كل ما يخص مواد اعادة اعمار غزة يحتاج الى تنسيق، اما اذا اعتقد (هذا البعض) بامكانية القاء مسؤولية أعمالهم التي تودي بحياة شباب فلسطين بلا ثمن على السلطة الوطنية ومؤسساتها وقيادتها، فهذا شأنهم وحدهم، وهم يعلمون جيدا ابعاد كلامهم الدعائي هذا، لكنا مطمئنين إلى أن للشعب ذاكرة، وتملك قدرة اعظم من اي حسبة أو حاسوب ... لكن سنذكر ونتجاوز، فبعد اليوم لن تجبى اية ضرائب أو رسوم من المواطنين في غزة لم يشرعها القانون، أما معابر القطاع التي استلمتها الحكومة الشرعية فانها ستكون فاتحة تطبيق القانون والنظام.
الغاء الضرائب والرسوم غير المقررة في القانون كانت (ضربة معلم) من الحكومة التي افادت في بياناتها بعد توقيع اتفاق بدء تنفيذ اتفاق القاهرة قبل حوالي الشهر انها اعدت خططا للنهوض بقطاع غزة، فأحسنت الحكومة صنعا أنها بدات برفع الحجر الأثقل عن ظهر المواطن، المثقل بجراح وآلام عدوان الاحتلال الاسرائيلي وحصاره، والصبر عشر سنوات على عقلية التسلط الحزبي بالقوة، وبدأت باعادته الى توازنه الطبيعي بعد انقلاب كاد يفقده البوصلة والتقاط العلامة المؤشرة على مكامن الوطنية والمنارات الحضارية التحررية التقدمية، والتي حفل بها قطاع غزة كجزء لايتجزأ من الوطن التاريخي والطبيعي (فلسطين الشعب والأرض).
قد نختار تفضيل القول بعودة المعابر الى الشرعية، على القول بعودة الشرعية الى المعابر، ذلك أن شرعية هذا الجزء من الأرض والشعب في قطاع غزة لا ولن تخضع للنقاش، وكأن الشعب الفلسطيني عبر حكومته وسلطته الوطنية يجسد ارادته بادارة هذه المعابر باعتبارها واحدة من رموز السيادة الى لحظة فقدان الاتصال ما بين المعابر والشرعية بحكم عقد كامل من الانقلاب، كانت سببا في تعقيد حياة ومسارات عيش مليوني فلسطيني يعيشون في شريط ضيق هو الاكثف في العالم من حيث السكان، بطول 41 كم ما بين رفح على حدود فلسطين مع مصر، وبيت حانون حيث اول حاجز للاحتلال الاسرائيلي، بات معروفا باسم (معبر ايرز)، وبعرض يتراوح بين 5 و10 كم.
ضرب جيش الاحتلال بسلاح جديد نفقا في شرق خان يوس، واستنتج الأطباء في غزة احتوائه على غاز سام، فذهب ضحيته سبعة مواطنين حاولوا انقاذ مجموعة لفصيل فلسطيني يعتقد أنهم كانوا بداخله، لكن تدمير النفق، واستشهاد المواطنين ومحاولة استدراج حرب بمستوى معين، لم تفلح، فالفلسطينييون الذين خطط ليبرمان لابقائهم تحت الأرض كانوا امس الأربعاء فوق الأرض في المعابر الرسمية العائدة الى الشرعية وما بين قبة السماء ورؤوسهم الشامخة يرفرف علم فلسطين الرباعي الألوان، تظللهم صور الرئيسين الفلسطيني محمود عباس والمصري عبد الفتاح السيسي، فمعبر رفح بوابة فلسطين المطلة على شقيقتها الكبرى مصر العربية، أما معبر بيت حانون، فهو ممرنا الذي لا بد منه نحو القدس ورام الله وجنين ونابلس والخليل وقلقيلية، ولم لا اللد والرملة والناصرة وحتى صفد.