قراءة أولى في المشهد السعودي الجديد
أسامة سميح الفار
هل المملكة العربية السعودية دولة قوية..؟؟ لاشك في أنها غنيةّ وقادرةٌ على التعامل مع العديد من عناصر المشهد السياسيّ العربيّ والإقليمي، وحتى الدولي، باستخدام هذا الغنى. ولكنْ هل هذا يكفي كي نعتبرها قوية، خاصة في عالمٍ عصفت به جملةُ المتغيِّرات التي شهدناها في العقدين الأخيرين؟
ما القوّة حقاً؟ وهل هي فضيلة؟ هل هي ضرورة؟ وإذا ما عرّفناها بدقة، هل يمكن القول أننا أقوياء؟ أو أقوياء بما يكفي؟ وهل الطريقُ التي نسير بها طريق قوةٍ أم طريق ضعف؟
بمثل هذه الأسئلة الصعبة، واجه وليُّ العهد الجديد في المملكة العربية السعودية، الوضع الراهن، ونظر إلى المستقبلِ فوجده لايتسع إلا للاقوياء، المبادرين الذين لا ينبغي لهم الاطمئنان الى نفط مدفون، ولا استثمارات قائمة بالمليارات ولا شبكة مصالح لا تزال راسخة رغم الصِّيانات التي تحتاجها.
*ابن سلمان وإرادة القوة*
الشبّان يغيّرون العالم لأنهم يستشرفون المستقبل وينتظرونه ولا يستبعدون أن يشهدوه، لذا يهمُّهم أن يعدّوا له عدّته. وابن سلمان يضجّ بالشباب والقوة والحياة، وهو كلاعب يستلم رقعة شطرنج ملتهبة، يعيد تموضعه محليّاً أولاً.
ينحسرُ المدّ القومي أو الدينيّ وحتى الوطني، ويتجه العالم للفدرلة أو لإعادة تعريف علاقات الدول بالجغرافيا، وعلاقة ذلك كله بالثروة، وتصيب كثيراً من الافكار الجامدةِ أعراضُ الدخول في مراحلَ زمنيةٍ جديدة، ولكن يظل القانون الاساس والمعادلة التي لا يمكن تجاوزها: أن القوّة هي ضمانةُ البقاء.
وهنا قد نتساءل: بقاء ماذا؟ ما البقاءُ الذي يسعى ولي العهد الجديد، لتأمينه بسعيه للقوة؟ بقاء شخصه؟ بقاء عائلته؟ دولته؟ ثروته؟ أمته؟ ومن هي أمته؟ الخليج؟ العرب؟ المسلمون؟ السنة؟
وما دوافعهُ التي قد تجيب على أسئلة من هذا النوع؟ أهي دوافعُ أنانيةٌ؟ أم إحساسٌ بمسؤوليّة ما؟ أم دوافع رومانسية ...!!
ابن سلمان رجلُ أولويّاتٍ كما يبدو، ورجال من هذا النوع تحكم سياساتِهم توازناتُ كلّ ما سبق، مع وعيٍ بالسياق وراهنيّة الزمان والمكان، وتموضع كل الأطراف. فهو العربي في مواجهة نفوذ إيران وتركيا، وهو السني خاصة حين يصبح التسنن ومن ورائه العروبة عرضة لتهجمات شعوبية. وهو المسلم في مواجهة الثوريين من يسار و"أناركية"، وهو المعتدل المتنور في مواجهة المؤسسة الدينية التقليدية في السعودية، وهو السعودي الثابت في مواجهة تطلعات آل ثاني. وهو أبوهُ وجدُّه في طمأنه حلفائه التقليديين، من صلـَـحَ منهم لدخول المستقبل معه. فهو حليف مصر وجيشِها، ولكنَّ الأمر قد يختلف حين يصلُ إلى ملفّاتٍ هو فيها وصيٌّ لا حليف، ففيها قد يغيّر مندوبيه أو يعاقبهم، وهو في هذا كله يركّز على مبدأ أوحد: إرادة القوة.
ما الفردُ في زمن المؤسّسات؟
مخطئ من يقلل من أهمية الكاريزما الفردية وإمكانية رجل واحد على قيادة تغيير، فالبهوتُ الذي أصاب العديد من رجالات السياسة والحكم في العالم كله، لا يعني أن العالم تجاوز او سيتجاوزُ يوماً المواهب الفردية. وابن سلمان هنا مثالٌ على رجل فيه طموحُ جيلٍ من الشباب العربي، الذي اكتشف عجز رومانسية الربيع وسذاجة اندفاع التطرف وسوء الارتكاز الى البعيد الايراني والتركي في كل مرة على حساب الذات العربية.
هل إيران عدو؟
حرب اليمن نفسها لا تعني أن ابن سلمان يرى في إيران عدوا دائما بدوغمائية، ولا حتى شدة لهجته مع حزب الله، بل هذه ضرورات التموضع الإقليمي. فالتعامل مع إيران كعربيٍّ قوي ليس مطلبا أميركيا ولا تنطعا سنيا ولا بالتأكيد عرقية عربية لم يعرفها العرب يوما، كون قوميتهم حملت معها دائما عناصر الانفتاح على الآخر والتلهف لمعرفته فكانت جغرافية لا عرقية، بل هو ضرورة، والضرورة هي معيار الصوّاب في عالم محدود.
هل إسرائيل صديق؟
وهذه تهمةٌ ساذجة، لا تصدر من قارئٍ لتاريخ الحكم والدول. فإسرائيل قوة فاعلةٌ في المنطقة، يحتاج ردعها (وما بعد ردعها) إلى اكتساب القوة وإعادة التموضع وإجادة اللعب، فلا تجاهلُ وجودِها (باسم مقاطعتها) يجدي، ولا استفزازُها بضعفٍ (باسم مقاومتِها) يفيد. فالتجاهل والاستفزاز يشبهان أن تقوم بالتضحية بجنود على رقعة الشطرنج الواحد تلو الآخر، فقط باسم الحركة، كاشفاً مساحاتٍ للخصم ومُنهيا فرصَكَ في صُنع عناصر قوةٍ يحتاج الوصول إليها إلى صبرٍ وحسنِ تموضعٍ وحماية.
وبنفس العقلية التي واكبت الهزائم وأسهمت فيها، انبرى كثيرٌ من العرب، كتاباً ومحللين ومتابعين لانتقاد الأحداث التي تشهدها السعودية وحزمةِ الإجراءات الجريئة غير المسبوقة ولا المتوقعة التي اتخذها وليُّ العهدِ الشاب. هي عقليّةُ اللبرلةِ الساذجة التي صنعها إعلام السجالات والشتائم على الفضائيات. وليس بهكذا خطاب يتصدى المرء لفهم متغيراتٍ بهذا الحجم.
وبالعودة إلى بداية هذا المقال، هل السعودية قوية؟ إن مفتاح قوّة السعودية يكمن بالارادة, إرادتها للقوة.