مغارة المخابرات العامة في (يطا) الخليل
موفق مطر
قرأت اخباراً كثيرة عن انجازات الأجهزة الأمنية ومشاريعها الدائمة وتلك الطارئة لمساعدة المواطنين، لكن الخبر الذي قرأته بالأمس بعث فينا الاطمئنان على مكانة القيم الأخلاقية والانسانية لدى قادة الأجهزة الأمنية وضباطها وافرادها. أبناء البلد المنوطة بهم مهمة حفظ الأمن الداخلي والخارجي، يدركون بكل ثقة أن صون وحماية عزة وكرامة وحرية المواطن هي روح مهمتهم، وجوهر عقيدتهم الأمنية المستمدة من المبادئ الوطنية. بالأمس أحدث جهاز المخابرات العامة انقلابا في مهمة أمنية كانت تنفذها قوة أمنية حيث تم تحويل مهمة القبض على شخص مطلوب للعدالة، الى مشروع بناء بيت لعائلته، فهنا اكتشفت القوة أن أسرة المطلوب للمثول امام سلطة القانون على خلفية جنائية للشرطة تسكن في كهف في مكان ما تابع لمدينة يطا في محافظة الخليل، ويمكن لقارئ الصور المنشورة في مواقع اخبارية رؤية حال مكان عيش الاسرة، فهنا يبدو لك المشهد أنك أمام زنزانة ببوابة حديدية في سجن، حيث الولوج الى قلب المغارة . قد يسأل المرء كيف استطاعت هذه العائلة العيش في مغارة بأغطية بسيطة لا تقي القر، ودون الحد الأدنى من متطلبات الطعام والشراب لليوم التالي، فقد تجيب الشرطة على هذا السؤال عندما يتسنى لها القبض على رب الأسرة ، أو عندما تستطلع من افراد العائلة أسباب وصولهم الى هذه الحال!. فور علم رئيس جهاز المخابرات العامة اللواء ماجد فرج بأمر العائلة، أوفد مدير الجهاز بالخليل العميد معين السكران الى الكهف، لتطبيق الهدف الأول والأخير من مهام الأجهزة الأمنية، وتكريس المسؤولية الاخلاقية، والتعبير بإخلاص وصدق عن عمق الايمان الروحي والوطني المنظم لالتزام وانتماء قادة وضباط وافراد الأجهزة الأمنية، ولحفر أحسن صور العلاقة الجذرية ما بين المواطنين، والقلوب الرحيمة، اليقظة من اجل أمنهم، والحريصة على توفير الحياة في ظروف تحفظ كرامة الانسان، ايا كانت علاقته بالشخص المطلوب للعدالة، فأفراد الأسرة البريئة هنا ضحايا ايضا. لم يكن قرار قائد جهاز المخابرات العامة ابو بشار ببناء منزل لائق بكرامة أفراد العائلة من موازنة الجهاز، الا بعد استئجار منزل للعائلة لتأمينها من مخاطر الشتاء. لقد حرصت قوانين حقوق الانسان على صون كرامة الفرد حتى لو كان متهما، او محكوما بالسجن، فكيف ونحن بصدد عائلة يبدو لنا أنها ذاتها ضحية، فأصل الاصلاح اقناع المتهم او المجرم بما يلمسه من فارق هائل ما بين العيش في ظروف وعقلية الجريمة، وظروف وعقلية ومسلكية الاحترام رغم اساءته للمجتمع الذي تعامله سلطاتها بمستوى احترم يبدد احقاد وكراهية ورغبة انتقام قد يكون تراكمت في نفسه، لأسباب اجتماعية ضاغطة واخرى خارجة عن ارادته.
العدالة، وتوفير مقومات الحياة الكريمة للمواطن اولى المهمات الواجبة لاستدامة أمن واستقرار وامان المجتمع، وتطويق الجريمة والرغبات البشرية العاملة عليها، ومنع ضعاف النفوس والارادة من اتخاذها كوسيلة فريدة لتحقيق طموحاتهم المادية التي يسعون الى تحقيقها على حساب الغير ومن املاكهم او حتى من حقوقهم، او قد تكون استجابة متسرعة لغرائزهم وأهوائهم الشيطانية.
ما فعله جهاز المخابرات العامة خطوط عريضة لمن يريد قراءة منهج العقيدة الأمنية والوطنية الناظمة للمؤسسة الأمنية التي هي انعكاس طبيعي لمنهج وعقيدة القيادة السياسية.
ان الجهاز المنوط به حفظ الوطن من المؤامرات المحدقة به من الخارج قد دخل الى عقر مغارة، وأخرج مواطنين من ظلماتها الى نور الحياة، ليتلمسوا معنى الكرامة في ارض وطنهم، فأجهزة الأمن ان تكون اولاً وأخيراً من اجل بعث الأمل بغد افضل، تشرق فيه الشمس على بيوت الوطن فيما الكل بأمان وسلام.
لا هدية أفضل وأحسن وأجمل وأعظم بمناسبة المولد النبوي الشريف كبيت يشعر فيه المرء بكرامته وانسانيته. وها نحن نقرأ في القرآن الكريم "وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى" صدق الله العظيم.