نقاط على حروف الأزمة
بقلم: باسم برهوم
الشعب الفلسطيني ليس بحاجة لمن يقول له ماذا يفعل، وكيف يواجه الازمة التي فجرها الرئيس الأميركي ترامب باعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل. نحن، وما لدينا من مخزون التجربة، الاقدر على اتخاذ القرارات والخطوات التي تناسبنا، وتناسب قضيتنا ونضالنا الوطني المستمر منذ مائة عام.
في أزمة بهذا الحجم، فإن دولا وقوى كثيرة ستحاول استثمارها لما يخدم مصالحها وليس مصلحة الشعب الفلسطيني ومصلحة قضية القدس. لذلك علينا الحذر الشديد، وان نميز بدقة بين الصديق الناصح باخلاص وأولئك الشعبويين الذين لا هم لهم سوى خطف الاضواء،. واستخدام قضية بحجم قضية القدس لما تخدم اجنداتهم واجندات اسيادهم.
من دون شك اننا في هذه اللحظة بحاجة لكافة اشكال التضامن والدعم، ولكن دون ان نفرط بقرارنا الوطني او نسلم قضيتنا لاي طرف... قد يكون اسرائيلي يدرك خطورة قرار ترامب على فرص السلام، اكثر صدقا وفائدة من اصحاب الخطب الرنانة في الاقليم.
الازمة التي نحن بصددها، هي من النوع طويل الاجل، اي انها لن تنتهي خلال اسابيع او اشهر، لذلك نحن لا نزال في اول الطريق، بحاجة لطول نفس وحسابات دقيقة لكل خطوة.
فقد تصرفنا واقصد هنا الرئيس محمود عباس، الذي ابدى صلابة وثباتا قبل ان يظهر القرار للعلن وبعده، وفي كل المراحل واجه الضغوط واتخذ القرار والموقف الصائب في لحظة حرجة وخطيرة يمكن ان تقود إلى تصفية القضية الفلسطينية.
الاجماع الدولي الذي تشكل ضد القرار ما كان ليكون بهذا القوة ولوضوح، ولو لم يكن الموقف الفلسطيني قويا وواضحا في رفضه لقرار ترامب جملة وتفصيلا. قوة الموقف الفلسطيني جاءت بالرغم من هشاشة الواقع العربي، وبالرغم مما سبق القرار من ضغوط أميركية مباشرة (اغلاق مكتب المنظمة في واشنطن، ووقف الدعم المالي) او تلك الضغوط بالواسطة بطريقة غير مباشرة.
الاجماع الدولي الذي تجسد في جلسة مجلس الامن وخارجها لم يفاجئ اسرائيل وترامب وحسب، بل فاجأ الكثيرين من العرب ودول الاقليم.. اوروبا التي لم تكن مرتاحة منذ البداية لنجاح ترامب في الانتخابات الأميركية هي تدرك خطورة انتهاك ترامب للقانون والشرعية الدولية في قضية حساسة مثل القدس. فمنظومة القانون الدولي، التي جاءت بعد حربيين عالميتيين يقوم ترامب بتقويضها، فالقفز عن هذه المنظومة ينزلق بالعالم نحو الفوضى وحرب عالمية ثالثة تدمر الكرة الارضية.
من دون شك اننا كسبنا الجولة الاولى من الازمة بجدارة، فاسرائيل وترامب هما اليوم في عزلة تامة على الساحة الدولية، ولكن علينا ان لا ننام على حرير، كما يقال، فلدى هؤلاء القوة والادوات والعلاقات والامكانيات الضخمة لقلب المعادلة تدريجيا. كما انهم يدركون ان طبيعة الشرق الاوسط، والقوى المتنافسة والمتصارعة فيه سريعا ما ستفقدهم وتقدم لهم خشبة الخلاص، وبالفعل نحن بدأنا نلمس ان القضية قد اصبحت جزءا من الاستقطابات الاقليمية.
نحن من دون شك في لحظة فارقة، الكثير من نتائجها واتجاهاتها يعتمد علينا نحن الفلسطينيين، فاما ان تأخذنا اللحظة الى فرصة تؤدي الى قيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، او ان تقود إلى تصفية القضية الفلسطينية تماما. نحن، وبالرغم من المشهد المعتم، فاننا قد نكون اليوم اقرب الى الدولة من أي وقت مضى، ولكي نكون كذلك علينا فقط ان نتمسك بما يلي:
اولا: التمسك بقرارنا الوطني، وعدم السماح لاي طرف اتخاذ القررارات بالنيابة عنا تحت اي ظرف او مبرر سواء على يمينا او يسارنا.
ثانيا: ان نحافظ على صلابة مواقفنا واهمية ان يكون واضحا في الداخل والخارج، ذلك بالتوازي مع الحفاظ على وحدتنا وتعزيزها، وان نضع مصلحتنا ومصلحة قضيتنا فوق اي مصلحة اخرى، فالجميع متحد في الموقف من اجل القدس.
ثالثا: الحفاظ على سلمية تحركنا في الميدان، فإسرائيل وأطراف إقليمية لها مصلحة في خلط الاوراق من خلال الانحراف نحو العنف، فلا يخرج نتنياهو وترامب من مأزقهم وعزلتهم الا التصرفات المتهورة والانزلاق نحو العنف.
رابعاً: عدم السماح لأي طرف استثمار الازمة لمصلحة اجندات اقليمية، مهما بدا سقف اصواتهم وشعاراتهم مرتفعة، ومهما بدت نصائحهم "ثورية"، فنحن من يقرر خطواتنا.. انطلاقا من واقعنا ومصالحنا.
خامسا: تشكيل جبهة فلسطينية عربية اسلامية مسيحية عالمية من الاطراف والدول التي تؤمن بخطورة القرار، وخطورة استسهال انتهاك القانون الدولي والشرعية الدولية.
ان احد ابرز المخاطر التي تواجهنا ان ننشغل في شتم بعضنا بعضا، او الاكتفاء بالنضال على مواقع التواصل الاجتماعي وتداول الشتائم والصور ذاتها، وان تكون جهودنا مجرد "فشة خلق" فالبرغم من اهمية العمل في الفضاء الالكتروني، فإن العمل الميداني، يبقى هو الاساس، بتوسيع مساحات المقاومة الشعبية السلمية، وتنظيم التظاهرات والوقفات التضامنية، والرسائل الجماعية والمذكرات، تبقى هي الاكثر تأثيرًا في معادلات الصراع الطويل.