فتح وحماس بين الصد والاكتساح في حاضرة الربيع العربي - جهاد حرب
كثرت في الأونة الأخيرة تصريحات لقياديين في كل من حركتي فتح وحماس للتنبأ في نتائج الانتخابات القادمة (إن حصلت) خلال العام 2012، كأن كلا الطرفين لديه القدرة على التنبأ في ظل المتغيرات والتطورات المتلاحقة المحلية والإقليمية. ففي حركة فتح يعتقدون أن حركتهم قادرة على صد تقدم الحركات الاسلاماوية "الاسلام السياسي" بفوز كبير في الانتخابات القادمة، في حين يعتقدون في حركة حماس أنهم الأقدر على اكتساح الانتخابات لاستكمال فوز الحركات الاسلامية في جنوب حوض البحر الأبيض المتوسط.
يبني الطرفان هذه الاستنتاجات على مقياس واحد هو فوز الحركات الاسلامية في دول الربيع العربي دون النظر أو التعمق في تحليل أسباب فوز الاحزاب الاسلاماوية فيها والتحديات التي تواجهها بالاضافة إلى قدرتها على التعاطي مع هذه التحديات. وكلاهما "فتح وحماس" تستندان إلى الربيع العربي دون النظر إلى خصوصية الوضع الفلسطيني وإلى أولويات المواطنين.
يعود نجاح الحركات الاسلاماوية في الانتخابات التي جرت في كل من تونس ومصر الى عدد من الاسباب الرئيسية والثانوية التي ساعدت على الفوز الكبير، منها:
(1) التعاطف الشعبي مع الحركات الاسلامية نتيجة عمليات القمع التي تعرضت لها كأحزاب سياسية وأعضائها وقياداتها من اعتقال وابعاد وحرمان من المشاركة في الحياة السياسية والحياة العامة والتضييق عليهم وعلى أسرهم في العهد السابق.
(2) القدرة التنظيمية التي تتحلى بها هذه التنظيمات التي تم تأسيسها وبناؤها خلال سنوات طويلة من عمر هذه الاحزاب تمتد لعشرات السنين. كما أن بنيتها التنظيمية على المستوى القيادي والجهوي جاهزة لاستخدامها في العملية الانتخابية على عكس التنظيمات الجديدة للتجمع أو التجمعات الشبابية، التي كانت طليعة الثورة الشعبية لاحداث التغيير، لم تبلور البنى الخاصة بها في الفترة القصيرة ما بين اسقاط النظام السابق واجراء الانتخابات التشريعية.
(3) ضعف أحزاب المعارضة التي كانت أصلا موجودة على أطراف الحزب الحاكم في كل من تونس ومصر، أو كانت قابلة بالهامش المتاح لها في العهد السابق والتي اعتبرت إلى حدٍ ما جزءا من الديكور السياسي التجميلي لنظام الاستبداد السابق مما أفقدها القدرة على الحصول على أصوات الناخبين تنافس بها حركات الإسلام السياسي.
(4) النزعة الدينية أو الميراث الديني لدى الشعوب العربية التي حرمت منه في بعض الدول (تونس) من التعبير حتى في الحياة الشخصية. كما رأت أن الاحزاب العلمانية التي حكمت لسنوات طويلة لم تقم بتأسيس نظام حكم رشيد بل العكس استشرى فيه الفساد الى حد الوصول إلى أن أساس الحكم أصبح العائلة بديلا عن ارادة الشعوب الحرة.
(5) بالاضافة الى لغة الخطاب المستخدم من قبل الحركات الاسلاماوية ونجاح الحملة الانتخابية.
إن الحكم على نجاح تجربة الحركات الاسلامية يحتاج إلى فهم أيضا أولويات الناخبين طبيعة التحديات التي تواجهها في ادارة البلاد خلال الفترة القادمة والتي تتمثل بـ (1) هيكلية الاقتصاد لتلك الدول واعتمادها على قطاع السياحة الذي يشكل نسبة هامة من الدخل القومي. و(2) التعاطي مع الالتزامات الدولية سواء فيما يتعلق بمكافحة الارهاب والاتفاقيات الثنائية مثل كامب ديفيد والعلاقات الدبلوماسية مع اسرائيل بالنسبة الى مصر. و(3) كيفية التعامل مع الجهاز الاداري والأمني والعسكري ونفوذه الذي تم تعزيزه في العهود السابقة الذين تم توظيفهم في أغلبهم بناء على الانتماء السياسي المخالف للحركات الاسلامية بل المعادي لها. ناهيك عن (4) قدرة الحكومات القادمة على مكافحة الفساد وخفض نسبة البطالة والتنمية الاقتصادية التي كانت أساس الثورة الشعبية.
إن "الصد والاكتساح" وفقا لتعبيرات قياداتٍ في حركتي فتح وحماس ينبغي أن تُبنى على مؤشرات محلية فلسطينية واقعية مع الأخذ بعين الاعتبار العوامل والظروف الاقليمية. تشير استطلاعات الرأي التي نفذها المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية على مدار السنوات الخمسة الأخيرة الى أن حركة فتح تحظى بتأييد كنواة صلبة للتصويت بحوالي ثلث المواطنين الفلسطينيين، فيما تحظى حركة حماس بتأييد حوالي الربع مما يُبقي حركتا فتح وحماس التنظيمان اللذان يحظيان بعضوية أو انتماء أغلبية المواطنين، ولا تنافسهم أيا من الأحزاب أو الفصائل الأخرى.
يشير الاستطلاع الأخير الذي أُجري في كانون أول/ ديسمبر 2011 إلى أن 43% من الناخبين سيصوتون في الانتخابات القادمة لحركة فتح، و29% سيصوتون لصالح حركة حماس، وان 11% سيصوتون للقوائم الانتخابية الأخرى. فيما 17% منهم لم يقرروا بعد لمن سيصوتون، وهؤلاء يشكلون حوالي خمس الناخبين الفلسطينيين. وبالمقارنة مع نتائج الانتخابات التشريعية لعام 2006 فإن حركة فتح، التي خاضت الانتخابات السابقة في أسواء حالاتها التنظيمية، حافظت على نفس التأييد (43% مقابل 42% عام 2006) وهي أيضا لم تكسب تأييدا جديدا من الناخبين، في حين أن حركة حماس خسرت بعضا من الناخبين (29% مقابل 44%).
إن فهم هذا التراجع ينبغي، قبل كل شيء، فهم أولويات الناخبين أو الجمهور الفلسطيني التي تشكل العامل الأساسي في التصويت للقائمة الانتخابية؛ ففي يوم الانتخابات عام 2006 تمثلت المشكلة ذات الأولوية التي تواجه الشعب الفلسطيني بالفساد (29% من الناخبين)، ومعالجة الفلتان الأمني كان يشكل القضية الجوهرية التي حددت طريقة تصويت الناخبين (37% من الناخبين)، فيما كانت قضية العامل الأهم في اختيار القائمة الانتخابية (25% من الناخبين). ويشيراستطلاع المركز في شهر أيلول/سبتمبر 2011 إلى أن المواطنين يضعون غياب الوحدة الوطنية بسبب الإنقسام بين الضفة وغزة بنفس المستوى مع الإحتلال والإستيطان وتفشي البطالة (كل منها حوالي 25% من المستطلعين) باعتبارها مشكلة أساسية تواجه المجتمع الفلسطيني.
يشكل فهم التحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني وأولوياته والعوامل المؤثرة في تصويت الناخبين أولى الخطوات العملية للحملة الانتخابية التي تتركز بالأساس لدى كافة الفصائل على من لم يقرر الى اليوم التصويت لأي من القوائم الانتخابية، وهم يشكلون حوالي خمس الناخبين المحتملين، وهم أولئك الذين تخلوا عن حركة حماس وهم أيضا لم يروا في حركة فتح ملاذا أو نموذجا جيدا وكذلك في القوائم الأخرى التي شاركت في الانتخابات السابقة. فهل يدرك كلاهما أولويات المواطنين الفلسطينيين أم أن الصد والاكتساح سيكون لهما وعليهما.
يبني الطرفان هذه الاستنتاجات على مقياس واحد هو فوز الحركات الاسلامية في دول الربيع العربي دون النظر أو التعمق في تحليل أسباب فوز الاحزاب الاسلاماوية فيها والتحديات التي تواجهها بالاضافة إلى قدرتها على التعاطي مع هذه التحديات. وكلاهما "فتح وحماس" تستندان إلى الربيع العربي دون النظر إلى خصوصية الوضع الفلسطيني وإلى أولويات المواطنين.
يعود نجاح الحركات الاسلاماوية في الانتخابات التي جرت في كل من تونس ومصر الى عدد من الاسباب الرئيسية والثانوية التي ساعدت على الفوز الكبير، منها:
(1) التعاطف الشعبي مع الحركات الاسلامية نتيجة عمليات القمع التي تعرضت لها كأحزاب سياسية وأعضائها وقياداتها من اعتقال وابعاد وحرمان من المشاركة في الحياة السياسية والحياة العامة والتضييق عليهم وعلى أسرهم في العهد السابق.
(2) القدرة التنظيمية التي تتحلى بها هذه التنظيمات التي تم تأسيسها وبناؤها خلال سنوات طويلة من عمر هذه الاحزاب تمتد لعشرات السنين. كما أن بنيتها التنظيمية على المستوى القيادي والجهوي جاهزة لاستخدامها في العملية الانتخابية على عكس التنظيمات الجديدة للتجمع أو التجمعات الشبابية، التي كانت طليعة الثورة الشعبية لاحداث التغيير، لم تبلور البنى الخاصة بها في الفترة القصيرة ما بين اسقاط النظام السابق واجراء الانتخابات التشريعية.
(3) ضعف أحزاب المعارضة التي كانت أصلا موجودة على أطراف الحزب الحاكم في كل من تونس ومصر، أو كانت قابلة بالهامش المتاح لها في العهد السابق والتي اعتبرت إلى حدٍ ما جزءا من الديكور السياسي التجميلي لنظام الاستبداد السابق مما أفقدها القدرة على الحصول على أصوات الناخبين تنافس بها حركات الإسلام السياسي.
(4) النزعة الدينية أو الميراث الديني لدى الشعوب العربية التي حرمت منه في بعض الدول (تونس) من التعبير حتى في الحياة الشخصية. كما رأت أن الاحزاب العلمانية التي حكمت لسنوات طويلة لم تقم بتأسيس نظام حكم رشيد بل العكس استشرى فيه الفساد الى حد الوصول إلى أن أساس الحكم أصبح العائلة بديلا عن ارادة الشعوب الحرة.
(5) بالاضافة الى لغة الخطاب المستخدم من قبل الحركات الاسلاماوية ونجاح الحملة الانتخابية.
إن الحكم على نجاح تجربة الحركات الاسلامية يحتاج إلى فهم أيضا أولويات الناخبين طبيعة التحديات التي تواجهها في ادارة البلاد خلال الفترة القادمة والتي تتمثل بـ (1) هيكلية الاقتصاد لتلك الدول واعتمادها على قطاع السياحة الذي يشكل نسبة هامة من الدخل القومي. و(2) التعاطي مع الالتزامات الدولية سواء فيما يتعلق بمكافحة الارهاب والاتفاقيات الثنائية مثل كامب ديفيد والعلاقات الدبلوماسية مع اسرائيل بالنسبة الى مصر. و(3) كيفية التعامل مع الجهاز الاداري والأمني والعسكري ونفوذه الذي تم تعزيزه في العهود السابقة الذين تم توظيفهم في أغلبهم بناء على الانتماء السياسي المخالف للحركات الاسلامية بل المعادي لها. ناهيك عن (4) قدرة الحكومات القادمة على مكافحة الفساد وخفض نسبة البطالة والتنمية الاقتصادية التي كانت أساس الثورة الشعبية.
إن "الصد والاكتساح" وفقا لتعبيرات قياداتٍ في حركتي فتح وحماس ينبغي أن تُبنى على مؤشرات محلية فلسطينية واقعية مع الأخذ بعين الاعتبار العوامل والظروف الاقليمية. تشير استطلاعات الرأي التي نفذها المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية على مدار السنوات الخمسة الأخيرة الى أن حركة فتح تحظى بتأييد كنواة صلبة للتصويت بحوالي ثلث المواطنين الفلسطينيين، فيما تحظى حركة حماس بتأييد حوالي الربع مما يُبقي حركتا فتح وحماس التنظيمان اللذان يحظيان بعضوية أو انتماء أغلبية المواطنين، ولا تنافسهم أيا من الأحزاب أو الفصائل الأخرى.
يشير الاستطلاع الأخير الذي أُجري في كانون أول/ ديسمبر 2011 إلى أن 43% من الناخبين سيصوتون في الانتخابات القادمة لحركة فتح، و29% سيصوتون لصالح حركة حماس، وان 11% سيصوتون للقوائم الانتخابية الأخرى. فيما 17% منهم لم يقرروا بعد لمن سيصوتون، وهؤلاء يشكلون حوالي خمس الناخبين الفلسطينيين. وبالمقارنة مع نتائج الانتخابات التشريعية لعام 2006 فإن حركة فتح، التي خاضت الانتخابات السابقة في أسواء حالاتها التنظيمية، حافظت على نفس التأييد (43% مقابل 42% عام 2006) وهي أيضا لم تكسب تأييدا جديدا من الناخبين، في حين أن حركة حماس خسرت بعضا من الناخبين (29% مقابل 44%).
إن فهم هذا التراجع ينبغي، قبل كل شيء، فهم أولويات الناخبين أو الجمهور الفلسطيني التي تشكل العامل الأساسي في التصويت للقائمة الانتخابية؛ ففي يوم الانتخابات عام 2006 تمثلت المشكلة ذات الأولوية التي تواجه الشعب الفلسطيني بالفساد (29% من الناخبين)، ومعالجة الفلتان الأمني كان يشكل القضية الجوهرية التي حددت طريقة تصويت الناخبين (37% من الناخبين)، فيما كانت قضية العامل الأهم في اختيار القائمة الانتخابية (25% من الناخبين). ويشيراستطلاع المركز في شهر أيلول/سبتمبر 2011 إلى أن المواطنين يضعون غياب الوحدة الوطنية بسبب الإنقسام بين الضفة وغزة بنفس المستوى مع الإحتلال والإستيطان وتفشي البطالة (كل منها حوالي 25% من المستطلعين) باعتبارها مشكلة أساسية تواجه المجتمع الفلسطيني.
يشكل فهم التحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني وأولوياته والعوامل المؤثرة في تصويت الناخبين أولى الخطوات العملية للحملة الانتخابية التي تتركز بالأساس لدى كافة الفصائل على من لم يقرر الى اليوم التصويت لأي من القوائم الانتخابية، وهم يشكلون حوالي خمس الناخبين المحتملين، وهم أولئك الذين تخلوا عن حركة حماس وهم أيضا لم يروا في حركة فتح ملاذا أو نموذجا جيدا وكذلك في القوائم الأخرى التي شاركت في الانتخابات السابقة. فهل يدرك كلاهما أولويات المواطنين الفلسطينيين أم أن الصد والاكتساح سيكون لهما وعليهما.