عبد الحميد السايح : مُبعدٌ ووزيرٌ وشيخٌ!
الصورة خاصة بـ(ألف) وهي للشيخ وأولاده
عبد الباسط خلف: تختزن ذاكرة أيمن السايح مقاطع من سيرة حياة عمه الشيخ عبد الحميد، فيسرد لـ(ألف) حكايات تدمج بين الحزن والطرافة، عن الشيخ الذي، ولد عام 1907، في حي القيسارية بنابلس، وكان أول فلسطيني يُبعده الاحتلال عن وطنه بعد حرب عام 1967.
يقول بصوت يسكنه الحنين لذكرى العم والشيخ: التقينا أول مرة في العاصمة السورية، بعد فشل محاولتي الاجتماع به سابقًا في عمان، إذ سافر إلى روسيا، قبل وقت قصير من وصولي للأردن، وقتها كنت طالباً في الشام عام 1983. والطريف، أنني التقيت بعمي برفقة حفيده سعيد صبري، وبعد نقاش طويل، تبين أن عمي لم يتعرف عليّ، فسألني عن اسمي، وحينما عرف أنني ابن أخيه، حضنني مطولاً، وأنفجر بالبكاء، وكانت لحظة قاسية وجميلة في وقت واحد.
ما يستقر في ذاكرة أيمن عن عمه، أنه أنهى دراسته في نابلس، ثم غادرها إلى الأزهر الشريف وحصل على شهادة العالمية، ثم شهادة التخصص من مدرسة القضاء الشرعي. ورجع إلى فلسطين وعمل أستاذا للغة العربية، والدين في القسم الثانوي بكلية النجاح الوطنية بين عامي 1928 و1929، ثم كاتبا في محكمة نابلس الشرعية، ورئيسا لكتاب محكمة نابلس الشرعية عام 1935، وسكرتيرا عاما للمجلس الشرعي الإسلامي عام 1939، وقاضيا شرعيا للقدس عام 1941. وعضوا لمحكمة الاستئناف الشرعية بعد خمس سنوات، ليُعيّن رئيسا لمحكمة الاستئناف الشرعية عام 1948.
يتابع أيمن السايح : انتقلت للدراسة في عمان، وانقطعت عن مواصلتها في الشام، وسكنت بجانب منزل عمي، وصرت قريباً منه، وتعرفت أكثر على شخصيته، وطيبة قلبه، وكيف أنه كان وزيراً للأوقاف يرفض أن يخدمه أي موظف في وزارته، ويقضي الكثير من أعماله بنفسه. ويواصل ضاحكاً : لا تغادرني قصة حفل تخرجي، فعندما دعته الكلية العربية لحضور حفل تخرّج فيها، ظنني أدرس فيها، بدلاً من كلية المجتمع العربية، فذهب إلى الأولى، وظل ينتظر سماع اسمي، فيرد عليه مرافقه حسن بزلميط، أنني لست من الناجحين، إلى أن انتهت القوائم دوني، وبعد العودة خائباً، سألني عن سبب تقصيري، فأجابته أن حفل تخريجنا لم يجر بعد، فأنفجر من الضحك.
حافظ الشيخ على علاقة طيبة بمختلف التيارات السياسية والفكرية، وكان يُصادق ياسر عميرة، ومحمود معايطة، ورشدي شاهين وغيرهم من الذين ينتمون لحركات وأحزاب مختلفة ومتباينة في الرأي والتوجه. وأذكر يضيف أيمن، أنني مررت برفقته عام 1986، من المكان نفسه الذي اغتيل فيه فهد القواسمي. وكنت أُسر حينما أشاهده على التلفاز في اجتماعات المجلس الوطني، حين انتخب لرئاسته، ولم يعترض عليه غير ثلاثة أعضاء فقط. لكنني خفت من الاحتفاظ بالصور التي جمعتني به؛ خوفاً من تنكيل الاحتلال.
وبحسب قراءات أيمن وأحفاد السايح الذين يفوقون العشرين، فقد كان الشيخ رئيسا لمحكمة الاستئناف الشرعية، بعد وحدة ضفتي نهر الأردن عام 1951، وكان عضوا في كل من، مجلس الأوقاف والشؤون الإسلامية الأعلى، ومجلس كلية الشريعة بعمان، ومجلس إعمار المسجد الأقصى.
بعد نكسة 1967 شن الشيخ هجوماً على سلطات الاحتلال لمخالفتها القوانين الدولية المتعلقة بالأراضي الواقعة تحت الاحتلال، وتدنيس حرمة المقدسات الإسلامية والمسيحية، وتعمد الإساءة إلى شعور المسلمين والمسيحيين، فأقدمت السلطات الإسرائيلية على إبعاده في الأول من أيلول عام 1967. و عمل بعد الإبعاد على عقد مؤتمر في عمان، نتج عنه إنشاء لجنة دائمة لإنقاذ القدس، كما اختير عضوا في المجلس الوطني الفلسطيني.
وقد عُني الشيخ في كتاباته، بإثارة اهتمام العرب والمسلمين بقضية وطنه . فنشر العديد من الكتب والمقالات، وشارك في الكثير من الندوات والفعاليات.
وأبرز السايح أهمية القدس بكتابين هما: "مكانة القدس في الإسلام" و"ماذا بعد إحراق المسجد الأقصى؟". وكانت مخطوطته الثالثة: " العدوان على المقدسات الإسلامية والمسيحية".
وبعد الإبعاد بأسبوعين، تسلم أول منصب وزاري في الأردن للأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية ، واستمر في إشغاله حتى عام 1970 . ثم عين قاضيا للقضاة ، فوزيرا للأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية مرة ثانية. وحصل على عضوية لجنة صياغة القانون المدني الأردني، في نطاق مجلس الأمة.
وفي تشرين ثاني 1984 انتخب رئيسا للمجلس الوطني الفلسطيني خلفا لخالد الفاهوم، وبقي السائح رئيسا للمجلس الوطني الفلسطيني حتى اعتزاله العمل السياسي واستقالته من رئاسة المجلس بسبب كبر سنه ومرضه عام 1996 وبقي في عمان بعيدا عن الأضواء والحياة السياسية.
توفى في عمان في الحادي عشر من كانون الأول 2001 ودفن بناء على وصيته في القدس، تاركاً سيرة مناضل مقرونة بعشرات المؤلفات والدراسات والمواقف.
الشيخ أب لثلاثة أولاد: قدري، وبسام، وأمجد، ومثلهم من البنات: نوال ونائلة وباسمة. توفي ثلاثة منهم: قدري، وأمجد، وباسمة. فيما أبصر النور عبد الحميد الحفيد، في القدس العام 1982.
يقول بصوت يسكنه الحنين لذكرى العم والشيخ: التقينا أول مرة في العاصمة السورية، بعد فشل محاولتي الاجتماع به سابقًا في عمان، إذ سافر إلى روسيا، قبل وقت قصير من وصولي للأردن، وقتها كنت طالباً في الشام عام 1983. والطريف، أنني التقيت بعمي برفقة حفيده سعيد صبري، وبعد نقاش طويل، تبين أن عمي لم يتعرف عليّ، فسألني عن اسمي، وحينما عرف أنني ابن أخيه، حضنني مطولاً، وأنفجر بالبكاء، وكانت لحظة قاسية وجميلة في وقت واحد.
ما يستقر في ذاكرة أيمن عن عمه، أنه أنهى دراسته في نابلس، ثم غادرها إلى الأزهر الشريف وحصل على شهادة العالمية، ثم شهادة التخصص من مدرسة القضاء الشرعي. ورجع إلى فلسطين وعمل أستاذا للغة العربية، والدين في القسم الثانوي بكلية النجاح الوطنية بين عامي 1928 و1929، ثم كاتبا في محكمة نابلس الشرعية، ورئيسا لكتاب محكمة نابلس الشرعية عام 1935، وسكرتيرا عاما للمجلس الشرعي الإسلامي عام 1939، وقاضيا شرعيا للقدس عام 1941. وعضوا لمحكمة الاستئناف الشرعية بعد خمس سنوات، ليُعيّن رئيسا لمحكمة الاستئناف الشرعية عام 1948.
يتابع أيمن السايح : انتقلت للدراسة في عمان، وانقطعت عن مواصلتها في الشام، وسكنت بجانب منزل عمي، وصرت قريباً منه، وتعرفت أكثر على شخصيته، وطيبة قلبه، وكيف أنه كان وزيراً للأوقاف يرفض أن يخدمه أي موظف في وزارته، ويقضي الكثير من أعماله بنفسه. ويواصل ضاحكاً : لا تغادرني قصة حفل تخرجي، فعندما دعته الكلية العربية لحضور حفل تخرّج فيها، ظنني أدرس فيها، بدلاً من كلية المجتمع العربية، فذهب إلى الأولى، وظل ينتظر سماع اسمي، فيرد عليه مرافقه حسن بزلميط، أنني لست من الناجحين، إلى أن انتهت القوائم دوني، وبعد العودة خائباً، سألني عن سبب تقصيري، فأجابته أن حفل تخريجنا لم يجر بعد، فأنفجر من الضحك.
حافظ الشيخ على علاقة طيبة بمختلف التيارات السياسية والفكرية، وكان يُصادق ياسر عميرة، ومحمود معايطة، ورشدي شاهين وغيرهم من الذين ينتمون لحركات وأحزاب مختلفة ومتباينة في الرأي والتوجه. وأذكر يضيف أيمن، أنني مررت برفقته عام 1986، من المكان نفسه الذي اغتيل فيه فهد القواسمي. وكنت أُسر حينما أشاهده على التلفاز في اجتماعات المجلس الوطني، حين انتخب لرئاسته، ولم يعترض عليه غير ثلاثة أعضاء فقط. لكنني خفت من الاحتفاظ بالصور التي جمعتني به؛ خوفاً من تنكيل الاحتلال.
وبحسب قراءات أيمن وأحفاد السايح الذين يفوقون العشرين، فقد كان الشيخ رئيسا لمحكمة الاستئناف الشرعية، بعد وحدة ضفتي نهر الأردن عام 1951، وكان عضوا في كل من، مجلس الأوقاف والشؤون الإسلامية الأعلى، ومجلس كلية الشريعة بعمان، ومجلس إعمار المسجد الأقصى.
بعد نكسة 1967 شن الشيخ هجوماً على سلطات الاحتلال لمخالفتها القوانين الدولية المتعلقة بالأراضي الواقعة تحت الاحتلال، وتدنيس حرمة المقدسات الإسلامية والمسيحية، وتعمد الإساءة إلى شعور المسلمين والمسيحيين، فأقدمت السلطات الإسرائيلية على إبعاده في الأول من أيلول عام 1967. و عمل بعد الإبعاد على عقد مؤتمر في عمان، نتج عنه إنشاء لجنة دائمة لإنقاذ القدس، كما اختير عضوا في المجلس الوطني الفلسطيني.
وقد عُني الشيخ في كتاباته، بإثارة اهتمام العرب والمسلمين بقضية وطنه . فنشر العديد من الكتب والمقالات، وشارك في الكثير من الندوات والفعاليات.
وأبرز السايح أهمية القدس بكتابين هما: "مكانة القدس في الإسلام" و"ماذا بعد إحراق المسجد الأقصى؟". وكانت مخطوطته الثالثة: " العدوان على المقدسات الإسلامية والمسيحية".
وبعد الإبعاد بأسبوعين، تسلم أول منصب وزاري في الأردن للأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية ، واستمر في إشغاله حتى عام 1970 . ثم عين قاضيا للقضاة ، فوزيرا للأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية مرة ثانية. وحصل على عضوية لجنة صياغة القانون المدني الأردني، في نطاق مجلس الأمة.
وفي تشرين ثاني 1984 انتخب رئيسا للمجلس الوطني الفلسطيني خلفا لخالد الفاهوم، وبقي السائح رئيسا للمجلس الوطني الفلسطيني حتى اعتزاله العمل السياسي واستقالته من رئاسة المجلس بسبب كبر سنه ومرضه عام 1996 وبقي في عمان بعيدا عن الأضواء والحياة السياسية.
توفى في عمان في الحادي عشر من كانون الأول 2001 ودفن بناء على وصيته في القدس، تاركاً سيرة مناضل مقرونة بعشرات المؤلفات والدراسات والمواقف.
الشيخ أب لثلاثة أولاد: قدري، وبسام، وأمجد، ومثلهم من البنات: نوال ونائلة وباسمة. توفي ثلاثة منهم: قدري، وأمجد، وباسمة. فيما أبصر النور عبد الحميد الحفيد، في القدس العام 1982.