فلسطينيو الـ 48
باسم برهوم
يطلق على هذا الجزء العظيم من الشعب الفلسطيني تسميات عدة، وسبب ذلك الحيرة في كيفية التعامل واستخدام المصطلح المناسب سياسياً وعلى صعيد الهوية، فكما ورد في العنوان هناك من يطلق عليهم فلسطينيو الـ 48 في اشارة الى انهم ذلك الجزء من الشعب الفلسطيني الذي بقي في ارضه، في فلسطين التاريخية، ولم يتركها ولم يرحل خلال نكبة عام 1984، وكان عددهم لا يتجاوز 120 الف نسمة في حينه.
وهناك من يطلق عليهم "فلسطينيو الداخل" او "عرب الـ 48"، اما التسميات الاسرائيلية لهم فهي إما "عرب اسرائيل" او "الاقلية العربية في اسرائيل".
لأدع مسألة التسمية الى وقت لاحق، لكن ما اريد الاصرار عليه هو التأكيد على ذلك الجزء العظيم من الشعب الفلسطيني، بالتأكيد أن الشعب الفلسطيني كله عظيم، فيكفي ان هذا الشعب يخوض غمار الصراع منذ اكثر من مئة عام، ولم يرضخ ولم يستسلم، ويواصل كفاحه ببسالة واصرار ويبني ويبدع في آن معاً، ويحافظ على هويته الوطنية، مثل هكذا شعب هو عظيم بالتأكيد، ولكن فلسطينيي الـ 48 لهم ميزات مختلفة تكسبهم عظمة على عظمة ... لماذا؟
هم رفضوا ان يرحلوا اثر نكبة عام 1984، وهم صمدوا وتحملوا الضيم، هم يعيشون داخل اكثر الانظمة عنصرية بالعالم، صمدوا ليس على ارضهم وقراهم ومدنهم وحافظوا عليها وحسب، وانما ايضاً هم من حافظ على الهوية الوطنية الفلسطينية ببعدها الحضاري العربي، لغةً، وثقافة وتراثاً وعادات وتقاليد وقيما.
هذا الجزء العظيم من الشعب الفلسطيني تصدى لكل محاولات طمسه وانتزاعه من تاريخه وفرض الرواية التاريخية الصهيونية عليه. هم من أفشل المقولة الصهيونية، "أرض بلا شعب لشعب بلا ارض"، فوجودهم قلب المعادلة خصوصاً ان عددهم اليوم يزيد عن مليون وربع المليون أي ما يقارب 20% من سكان اسرائيل.
وعلينا ان نذكر رصيدهم السياسي الكبير، الى جانب انهم أول من أدرك اهمية ان منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وكانوا يعززون ذلك الوعي العام، فإنهم هم من ابتكر "يوم الارض" عام 1976 للتأكيد على تمسك الشعب الفلسطيني بأرضه ووطنه، وهو اليوم اصبح إحدى المناسبات الوطنية الفلسطينية المهمة، التي تعكس جوهر القضية الفلسطينية، وهي الارض.
وبالقياس لعددهم فهم بلا شك ذوو طاقات ابداعية في الشعب الفلسطيني ثقافة وفناً، فمن بينهم خرج شعراء المقاومة الفلسطينية، محمود درويش وسميح القاسم، توفيق زياد وغيرهم، شعراء ألهموا أجيالا فلسطينية وعربية وحركات التحرر العالمية في النضال من اجل الحرية والاستقلال، ومنهم اميل حبيبي المبدع الكبير الذي جمع بين الابداعات السياسية والادبية والاعلامية، حبيبي صاحب رواية "المتشائل"، التي احتلت مكانة رفيعة في عالم الرواية، وفي الوعي الوطني والانساني.
اننا نتحدث عن شعب اليوم أطبائه يملأون المستشفيات الاسرائيلية وفي مختلف التخصصات، واكاديميين في الجامعات ومحامين ومهندسين وعلماء ومؤرخين، وقائمة الابداع لفلسطيني الـ 48 لا تنتهي خصوصاً ببصمتهم الواضحة في الفن، في المسرح والغناء والتمثيل، لقد قدموا جيش من المبدعين رغم معاناتهم.
وعند الحديث عن الدور، يبرز دون شك دور الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، والتي هي عبارة عن ائتلاف بين "راكاح" وقوى سياسية وشعبية ومدنية اخرى، دون شك ان الجبهة قد لعبت دوراً تاريخيا بارزا في تعزيز الوعي الكفاحي، كما يجب ألا نغفل "حركة الارض" وحركة أبناء البلد، ولاحقا الحزب العربي الديمقراطي والتجمع الوطني الديمغرافي والحركة العربية للتغيير، كل هؤلاء لعبوا دوراً كبيراً في الحفاظ على الهوية الوطنية ومواجهة السياسات العنصرية الاسرائيلية بكل اشكالها والاهم تعزيز الوعي بأن الشعب الفلسطيني هو وحدة واحدة وله الاهداف الوطنية نفسها في الحرية والاستغلال.
وهنا لا بد من الاشارة الى الدور الكبير الذي تضطلع به القائمة المشتركة في التصدي للقوانين العنصرية التي تعمل الاحزاب الصهيونية المتطرفة على اقرارها وتهدف في المحصلة الى تصفية القضية الفلسطينية والحق التاريخي للشعب الفلسطيني في وطنه.
واذا كنت شخصياً أرجح تسميتهم فلسطينيي الـ 48 لمعانيه ومغازيه، فإن الاهم من التسمية، هو ان هؤلاء الفلسطينيين جزء مهم وعظيم من الشعب الفلسطيني، جزء مفعم بالحياة والحيوية، يمتلك طاقات ابداعية لافتة، جزء ساهم في حماية القضية الفلسطينية والهوية الوطنية من الطمس والضياع.