ديمقراطية (..!!) تضطهد شعبا آخر
باسم برهوم
الموضوع، والمقصود هنا ادعاء اسرائيل بانها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط، يبدو مستهلكا، فقد تم تناوله مرارا وتكرارا. ما دفعني الى تناول هذا الموضوع مجددا، هو اتهام اسرائيل للجمعية العامة التابعة للامم المتحدة بأنها "بيت الاكاذيب"، وذلك بعد ان صوتت 138 دولة ضد اعلان الرئيس ترامب بان القدس عاصمة لاسرائيل.
الامر الثاني هو تهرب المسؤولين الاسرائيليين عندما توجه إليهم اسئلة حول احتلالهم للارض الفلسطينية وسيطرتهم على شعب آخر، يتهربون من الاجابة بالقول نحن، اي اسرائيل، الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط، وكأن العالم عليه ان يغمض عينيه ويصم اذنيه عن جرائم اسرائيل لمجرد ادعائها الديمقراطية.
اتهام اسرائيل للجمعية العامة بأنها بيت الاكاذيب هو دليل على عدم ديمقراطيتها، لأنها لا تؤمن بتصويت ديمقراطي في مؤسسة تمثل ارادة المجتمع الدولي. وعندما يُسأل المسؤولون الاسرائيليون اذا ما كانت بريطانيا او فرنسا او المانيا، التي صوتت ضد اعلان ترامب بانها جزء من هذه الاكاذيب، يتهرب هؤلاء المسؤولون بالقول انهم يقصدون المؤسسة اي الجمعية العامة، وكأن هذه الاخيرة لا تمثل الارادة الفردية لدول العالم.
على اية حال، ومن حسن حظنا، ان العالم بدأ يكتشف زيف الادعاء الاسرائيلي واستخدامه لتسويق الغطرسة والاحتلال. دول لطالما كانت الحليف والداعم لاسرائيل هي اليوم تصوت بشكل علني ضدها.
ما الذي بدأ يكتشفه العالم. اكتشف العالم ان اسرائيل التي تأسست انطلاقا من رواية صاغتها الصهيونية والاستيطان العالمي لم تعد تكتفي بتسويق هذه الرواية وانما، فرضها واملاؤها على العالم، واجباره على القبول بها وكأنها الحقيقة الاصيلة الوحيدة في التاريخ والحاضر. وليس هذا وحسب انما تريد من العالم ان يغمض عينيه عن عنصرية هذه الرواية ورجعيتها، لكونها تقوم بالاساس على انكار وجود الآخر وتحتكر الحق التاريخي لنفسها.
اكتشف العالم ان الديمقراطية لا يمكن ان تكون على حساب شعب آخر او أن تتعايش مع احتلال وفكرة اخضاع شعب وحرمانه من ابسط حقوقه. وفي هذا الاطار يراقب العالم كيف ان الشعب الفلسطيني ووطنه وارضه ومقدراته مستباحة من قبل اسرائيل، شعب محروم من التنقل بحرية، لا يسيطر على حدوده، ولا سيادة له على ارضه، ويهود تاريخه على ارض الواقع.
اكتشف العالم أن هذه "الديمقراطية الوحيدة بالشرق الاوسط" لا تقبل بأي رواية سوى روايتها، وبالتالي هي لا تأبه برأي المجتمع الدولي، الذي يكون جيدا اذا قبل بروايتها وسيئا اذا ما ألمح الى ان هناك رواية اخرى لا بد ان تؤخذ بالاعتبار. فالسلام في الشرق الاوسط لن يقوم عبر تبني رواية ونفي اخرى، والديمقراطية لن تكون حقيقية اذا ما كانت تتبنى رواية عنصرية.
اكتشف العالم انه لا يمكن ان تكون الدولة ديمقراطية، وفي الوقت نفسه تبيح لنفسها انتهاك القانون الدولي والشرعية الدولية في كل لحظة. واكثر من ذلك اذا ما كان سلوكها اليومي هو تعبير عن استخفاف بهذا القانون والتصرف وكأنها فوق اي محاسبة.
ومن بين ما اكتشفه العالم ايضا ان هذه الدولة الديمقراطية تخشى السلام اكثر من الحرب، لأن السلام سيعني الاعتراف بالآخر وحقوقه وبتاريخه في هذه البلاد، الامر الذي يعني بطلان الرواية الصهيونية. اما الحرب فهي بالنسبة لهذه الدولة الديمقراطية تغذي روايتها لكونها، تضمن باستمرار تفوقها العسكري نتيجة الدعم الأميركي.
ان اصرار نتنياهو على يهودية الدولة، انما هو دليل على عدم ديمقراطية اسرائيل لأنها لن تكون في ظل هويتها اليهودية دولة لكل مواطنيها، وان الافضلية القانونية والحقوقية هي لليهودي... فأي ديمقراطية هذه التي تدعيها اسرائيل.
هذا العالم الذي بدأ يكتشف زيف الادعاء الاسرائيلي هو ذاته الذي اغمض عينيه عندما بنت الصهيونية روايتها على اساس عنصري، واغمض عينيه عن احتلالها بل ودعمها لتتمكن في هذه المنطقة العربية لدوافع استيطانية. هذا العالم الذي ننظر اليه نحن الفلسطينيين اليوم بإيجابية لتحول نظرته للاحتلال الاسرائيلي، يتحمل مسؤولية مباشرة في وقف الغطرسة الاسرائيلية، انه المسؤول عن قضية انهاء الاحتلال الذي استباح الشعب الفلسطيني وارضه لعقود طويلة. لم يعد لدينا الكثير من الوقت لننتظر حتى يقتنع العالم بان هناك ظلما كبيرا قد تعرضنا له، وان يقتنع بان هناك دولة تضطهد شعبا آخر باسم الديمقراطية.