من سوريا.. رسالة ردع الى تل أبيب وواشنطن
موفق مطر
عادت سوريا، هكذا قد يكتب مؤرخو الصراع الفلسطيني العربي في الجبهة الأولى ودولة مشروع الاحتلال والاستعمار الاستيطاني العنصري الاسرائيلي الأميركي نفقد شهد صباح العاشر من شباط – يوم امس السبت- حدثا نعتقد بتميزه عن نمط العدوان والارهاب الاسرائيلي على كل من الشعب الفلسطيني والسوري واللبناني وكذلك نمط الرد عليه في العقدين الأخيرين.
طائرة حربية اميركية الصنع من طراز (f16 ) يقودها طياران اسرائيليان، اخترقا سيادة سوريا ونفذا عدوانا من الجو على أراضيها، لكنها في هذه المرة لم تعد الى قواعدها سالمة !! وانما مشتعلة، لتهوي وتتحطم وتحرق معها – كما نعتقد وكما يجب ان يكون – قائمة الاحتفاظ بالرد، وليبدأ المؤرخون في كتابة عودة سوريا التي عرفناها ندا عربيا قويا في المعركة والصراع، صوتا بصوت، رصاصة برصاصة ومدفعا بمدفع، ودبابة بدبابة وطائرة بطائرة، فجيش نتنياهو قد تمادى، فكان لابد من الانسجام التام مع مبدأ السيادة وقوانين الشرعية الدولية والرد على المعتدين، وتلقينهم رسالة قد يفهمون مابين سطورها ان تمهلوا وفكروا وتعقلوا،أو قد ينوبهم بعض من الحرائق التي اشعلوها في سوريا بواسطة جماعات ارهابية، واحزاب وقوى انفصالية واخرى ترسم في الخفاء حدود دويلات طائفية وعرقية، وكل ذلك لاخراج الشعب السوري نهائيا من الصراع.
لانريد حروبا، ولا نتمناها، فنحن ضحاياها وضحايا ارهاب صانعيها وتجارها، والذين يتخذونها لاخضاعنا والسيطرة علينا وفرض شروطهم علينا وعلى الشعب العربي السوري، وننتظر اليوم الذي تخرج فيه الشقيقة سوريا من دائرة الصراع الدموي الداخلي، وتعود الى دائرة الصراع مع الاحتلال، كجبهة عريضة وعمقا استراتيجيا للقضية الفلسطينية، كما كانت منذ احتلال البريطانيين لفلسطين، فالسوريون كانوا في ثورات على الاستعمار الفرنسي، بالتوازي مع مشاركتهم في ثورات الشعب الفلسطيني ضد (الاستعمار الانكليزي ) لفلسطين، ولعل الجبلاوي الشيخ عز الدين القسام، والحموي سعيد العاص نموذجين من تلكم الصفحات التاريخية، حيث اثبت السوريون وحدة المصير العربي، وارتباط حلقات مستقبل الشعوب العربية، حتى قبل نشوء النظريات الحزبية القومية، فالعربي لم يكن بحاجة الى تنظيرات سياسية، او مساجلات ايديولوجية حتى يعتقد أن ما يصيب فلسطين ( وهي بموقع القلب في الجسد ) سيصيب جسد الأمة.
نعلم أن الرد السوري على العدوان الاسرائيلي واسقاط الطائرة قد جاء بعد سلسلة احداث متتابعة ومتسارعة، ربما ساعدت على صنع هذا التحول في المواجهة مع طيران وجيش دولة الاحتلال بالأمس، ومنها غارة الطيران الأميركي على مليشيات مساندة للجيش السوري في دير الزور وقتل حوالي مئة شخص، كما سبق هذه الغارة ببضعة ايام اطلاق الجماعات الارهابية المسلحة صاروخا محمولا على الكتف، افادت تقارير انه اميركي الصنع، حيث اسقطت في المناطق المتاخمة للحدود التركية السورية من ناحية محافظة ادلب ومدينة جسر الشغور طائرة سوخوي 25 روسية وقتل طيارها، وسبق اسقاط الطائرة ثلاث غارات اسرائيلية على مناطق مختلفة في ضواحي العاصمة دمشق وفي مناطق بوسط سوريا، ادعى جنرالات جيش الاحتلال انها مواقع ومصانع عسكرية لايران وحزب الله اللبناني.
ربما فرضت الوقائع على الأرض هذا التحول، فروسيا التي تعتبر تزويد واشنطن للجماعات المسلحة - وتحديدا الارهابية في سوريا- بصواريخ لاسقاط الطائرات، لايمكنها الصمت او تغافل هذه التطورات، وعلى العكس فربما اعتبرت موسكو اسقاط طائرتها السوخوي ابتداء لمرحلة جديدة، تجاوزت فيها واشنطن كل التفاهمات، ما يعني وجوب بعث رسالة لواشنطن بأن حلفاءها في المنطقة بما فيهم اسرائيل لم يعودوا بمأمن.. فكانت رسالة ردع قوية لاسرائيل، قاعدة واشنطن العسكرية الأكبر وألأعظم في المنطقة.
صحيح أن روسيا قد الغطاء لتقوم الدولة بسوريا بواجب الدفاع عن سمائها وارضها، بحكم اتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين، لكن مايهمنا هنا أن عملية ردع دولة الاحتلال ( اسرائيل ) عن سوريا قد بدأت، وقد تشهد الأيام القادمة فيما اذا كانت المواجهة استراتيجية سورية جديدة، او مجرد رسالة روسية لواشنطن، او اكثر من ذلك حيث تؤكد موسكو أنها حليف يمكن الوثوق به، بخلاف واشنطن التي اثبتت التجربة استغلالها لحلفائها، وتخليها عنهم في المنعطفات المصيرية، واكثر من ذلك سمة الغدر والاستعلاء التي تميزت بها سياسة البيت الأبيض الأميركي وخصوصا في السنة الأولى من عهد الرئيس دونالد ترامب، وتجربتنا نحن الفلسطينييون مع الادارة الجديدة شهادة بينة على ذلك.
ما يعنينا الآن ان سوريا وايا كانت تحالفاتها قد بدات باستعادة هيبتها وسيادتها، وقدرتها على توجيه لكمات شديدة ومركزة على وجه رئيس حكومة دولة الاحتلال وجنرالات جيشه، وربما حينما يشاهدون حطام طائرتهم المعندية اصلا، يحسبون ان التحليق في سماء دمشق والاغارة على اي موقع في سوريا لم يعد مجرد نزهة.