نقاط على حروف إسقاط الطائرة الاسرائيلية
باسم برهوم
في البداية علينا ان ندرك حقيقة أساسية، ان من يحمي اسرائيل ليس تفوقها العسكري، وانما يحميها معادلة دولية تعتبر اسرائيل من الناحية الوجودية خطاً أحمر يمنع المس بها جوهريا. تفوقها العسكري ذاته يدخل في هذا الاطار، وكذلك إطلاق يدها الفولاذية لتنهش الجسد الفلسطيني والعربي دون حساب هو ايضا ضمن هذه المعادلة، فهي وبكل الاعتبارات دولة فوق القانون.
هكذا هو الواقع منذ بدايات المشروع الصهيوني، واستمر خلال تأسيس الكيان الصهيوني على الارض الفلسطينية، وعند اعلان اسرائيل كدولة وخلال حرب عام 1948، وبقيت هذه الدولة تحظى بالرعاية والحماية خلال مرحلة الحرب الباردة وحتى الآن. فخارطة الشرق الاوسط قد تتغير ويعاد تشكيلها مرارا الا أن اسرائيل ستبقى أحد ثوابتها وحتى اشعار آخر.
اللاعبون الدوليون والاقليميون كافة، من يناصر اسرائيل ويدعمها بشكل مباشر او أولئك الذين يناهضونها ويناوشونها، كل هؤلاء يدركون هذه الحقيقة ويتحركون استراتيجياً على اساسها. من هنا فإن كل ما جرى في الشرق الاوسط من حروب ومواجهات عسكرية، بما في ذلك حرب عام 1973 وهي الاضخم التي شنها العرب ضد اسرائيل جرت وتجري وفق هذه المعادلة وهي عدم المس بإسرائيل وجودياً.
وقبل الحديث عن عملية اسقاط الدفاعات السورية للطائرة الاسرائيلية فلا بد من التأكيد، ان المعادلة سابقة الذكر ليست قدراً إلهياً، فهي كغيرها من المعادلات السياسية وعبر العصور قابلة للتغير، إما بحكم مرور الزمن وبما فيه من تطورات ومتغيرات، او بحكم النضال المتواصل بلا انقطاع ضد هذه المعادلة.
وفيما يتعلق بالطائرة فمن دون شك أن اسقاطها يعتبر تطورا مهما فهي الطائرة الاسرائيلية الاولى التي يسقطها العرب منذ طائرة رون اراد عام 1983 فوق لبنان، وهو الطيار الاسرائيلي غير المعروف مصيره حتى الآن. ولكن ونحن نرى هذه الاهمية علينا ألا نبالغ بها وكأن ما حدث نصر مبين وبداية النهاية لإسرائيل. هذه المبالغة تجعلنا ندخل في حسابات هي اقرب للوهم منها الى الواقع، ونذكر هنا ان اسرائيل خسرت 110 طائرات في الايام الخمس الاولى من حرب عام 1973 وخسرت عددا من الطائرات خلال حرب الاستنزاف على الجبهة المصرية عام 1969 كما ان الثورة الفلسطينية اسقطت طائرة اسرائيلية في بداية حرب عام 1982 بمضادات بسيطة للطائرات.
ان مشكلتنا ليست مع عملية اسقاط الطائرة الاسرائيلية بحد ذاتها فهذا يجب ان يكون عملا عربيا مستمرا ومتواصلا، وانما مشكلتنا مع من يعتقد ان الاشتباك مع اسرائيل ومناوشتها مسألة تكتيكية تخدم مصالحه وليس من بينها أي اعتبار لمسألة تحرير فلسطين.
اما فيما يتعلق بتغير قواعد الاشتباك فإننا نأمل ان يكون الامر هو كذلك، وان لا يكون ما جرى هو مجرد عمل محدود بالزمان والمكان والاهداف، ومع ذلك فإن ما جرى قد يحد من الغطرسة الاسرائيلية وهذا بحد ذاته انجاز مطلوب في سياق تغير المعادلات التي تتحكم بالصراع العربي الاسرائيلي حتى الآن.
الجبهة السورية الاسرائيلية بقيت هادئة منذ عام 1973 الا ان الواقع الذي قد تغير في سوريا اليوم يدفع جميع الاطراف الكبيرة منها والصغيرة والمتصارعة على ارض سوريا ان تحشد كل طاقاتها في سبيل التوصل الى تسويات نهائية. اسرائيل من جهتها ترغب في ان تتوصل الى تفاهمات تبعد عنها النفوذ الايراني وتؤمن لها الهدوء على حدودها الشمالية اما الأطراف الاخرى فهي تريد ان تغير المعادلات إما لمصلحة سوريا الموحدة واما لمصالح من يتصارعون على ارضها، اما بالنسبة لنا نحن الفلسطينيين فنأمل ان تكون فلسطين حاضرة على طاولة هذه التسويات.