إنما الأمم الأخلاق
بقلم: باسم برهوم
صديق لي، عاد قبل أيام من زيارة لليابان، عاد مبهورا ومذهولا مما رآه من هذا الشعب العظيم، الغاية في التنظيم والانتماء لوطنه وحبه له. صديقي هذا، ومنذ أن عاد وهو يكرر سرد تجربته وكأنه صحا لتوه من حلم جميل، ويريد ان يخبر الناس جميعا به. ما رآه صديقي ان هناك شعبا قد تخلى أفراده عن أنانيتهم منذ زمن، ويتبارون في الحرص على وطنهم وجماله ونظافته ونقاء بيئته.
خبرني صديقي الكثير، ولكني توقفت عند قصة واحدة ومعلومة واحدة، القصة حول امراة يابانية في التسعين من عمرها، تصحو مع أول لحظة نور من الفجر وتنزل الى شارع الحي لتنظفه مما قد وسخه. واضاف: "اليابانيون يتبارون فيما بينهم من يسبق الآخر للنزول الى الشارع والعمل على تنظيفه". قال صديقي: مدينة مثل طوكيو عدد سكانها يناهز 36 مليون نسمة لا نجد في شوارعها قصاصة ورق أو أعقاب سجائر أو أي شيء آخر، هي نظيفة بالكامل كحديقة في الجنة. واضاف: ان اليابانيين لا يتنقلون بسيارتهم الخاصة وانما يذهبون الى أعمالهم في وسائل النقل العام حرصا منهم على نقاء بيئة مدنهم وبلداتهم. انهم باختصار صنعوا من بلادهم جنة على الأرض.
الشعب الفلسطيني لا يقل حبا لوطنه عن اليابانيين، بل، ربما أكثر، وهو يضحي يوميا من أجل هذا الوطن، ولديه الكثير من العادات والتقاليد الرائعة، ولكن كل ذلك لا ينعكس بالممارسة في الشارع... لماذا؟؟؟
عندما يتعلق الأمر بالأخلاق وكيف يتعامل البعض مع مدينته وشارعه لا يمكن ان نعلق سلبيات سلوكنا على شماعة الاحتلال. لننظر الى أنفسنا ونتحقق كيف نتعامل مع الشارع وحرصنا على نظافته. قسم كبير منا يعتقد ان الشارع مباح له ويحق له ان يرمي الأوساخ من أوراق وعلب سجائر وأعقاب سجائر. لنرى معا كيف يتعامل سائق السيارة، انه يتباهى بشكل غريب وهو ينتهك القانون، ويقود سيارته دونما اكتراث للبشر الآخرين من حوله سواء كانوا من المارة أو أولئك الذين يقودون سياراتهم مثله. أما بعض المشاة فالواقع معهم هو أسوأ، فهم يقررون في أي لحظة ويبادرون الى قطع الشارع بعيدا عن أي منطقة عبور، يرمون أوساخهم، والأكثر خطورة عندما ترى أما أو أبا لا يمسك بيد طفلته أو طفله ويتركهم يسيرون خلفه وغالبا ما يكونون على طرف الرصيف أو بالشارع.
أحد الزوار الأجانب الذين تعرفت بهم، قال لي ذات مرة عندما أقرأ عنكم انتم الفلسطينيون وأراكم على شاشة التلفاز، أرى شعبا عظيما عنيدا محبا لوطنه، ولكن عندما رأيتكم بالشارع وكأنني أرى شعبا آخر لا يكترث بوطنه ولا شارعه ولا قريته.
لذلك اذكر هنا قول الشاعر:
انما الأمم الاخلاق ما بقيت.. فإن ذهبت أخلاقهم هم ذهبوا