لكي لا تذهب تضحياتنا هدرا
باسم برهوم
هناك مشكلة تاريخية لازمت القضية الفلسطينية منذ نشوئها قبل اكثر من مائة عام. وهي انه في الغالب ما كانت تضحيات الشعب الفلسطيني تذهب هدرا ولا يتم استثمارها سياسيا وتحويلها الى انجازات وطنية فيها مصلحة للشعب الفلسطيني وقضيته. ما يدفعني لكتابة هذا المقال، هو الخوف من ان تذهب مرة اخرى موجة التضحيات الراهنة هدرا، خصوصا ان الحراك الشعبي وهذا الفعل النضالي يتم والانقسام البغيض ما زال قائما.
ولكي نكون منصفين، فان عدم الاستثمار تاريخيا لا يعود كله لاسباب داخلية لها علاقة بالشعب وفصائله وقيادته. فالسبب الرئيسي كان في الغالب يعود لطبيعة المشروع الصهيوني، وحجم الدعم الدولي الاستعماري له، فهذا المشروع جاء به الاستعمار الى فلسطين لينفذ، وبالتالي كان ممنوعا الوقوف في وجهه. هذا الواقع المشار اليه لا يعكس كل الحقيقة فالانقسامات الداخلية والتشرذم، وسوء التقدير احيانا في اتخاذ المواقف الصائبة كان في جزء منه يعود الى اسباب داخلية يجري تغذيتها من الخارج، كل ذلك كان من شأنه ان يمنع تحويل التضحيات الى انجازات، فالتضحيات كانت ومع الاسف غالبا ما تترجم لمصلحة فصيل، فهذا الفصيل يكسب قليلا لكن القضية الوطنية هي التي كانت تخسر.
ولكي نكون منصفين مرة اخرى، فان انقسامات الساحة الفلسطينية، كانت في الغالب بفعل فاعل، اي لها اب خارجي.
وفي طليعة هؤلاء وقبل عام 1948 كانت بريطانيا والصهيونية العالمية هي الاب الرئيسي للانقسامات الفلسطينية، دون اغفال دور بعض الحكام العرب حين ذاك .
اما خلال تجربة منظمة التحرير الفلسطينية، فغالبا ما كانت بعض الانظمة العربية، هي التي تقف وراء انشقاقات المنظمة، فقد سارعت هذه الانظمة الى تأسيس فصائلها الخاصة بها، وجعات منها احصنة طروادة داخل المنظمة. فاذا بقيت اسرائيل هي صاحبة المصلحة الاساسية في الانقسام الفلسطيني، فان انظمة عربية واقليمية ومن قبيل استخدام الورقة الفلسطينية كان لها مصلحة ايضا في هذا الانقسام. ونشير هنا الى محاولة النظام العراقي والليبي في السبعينيات في تغذية انقسام المنظمة عبر ما اطلق عليه في حينه جبهة الرفض، اما المحاولة الاخطر فقد رعاها النظامان السوري والليبي في ذلك الوقت، والتي ادت الى محاولة تحقيق انشقاق داخل حركة فتح والمنظمة من عام 1983 الى عام 1987.
واقع الانقسامات هذا اصبح اكثر خطورة وعمقا مع تأسيس حركة حماس عام 1988، في بداية الانتفاضة الفلسطينية الاولى. هذه الحركة لم تأتي من ضلع منظمة التحرير بل جاءت من ضلع جماعة الاخوان المسلمين وتنظيمهم الدولي وبالتالي لم تكن حماس جزءا من المشروع الذي بلورته وضحت من اجله المنظمة وحركة فتح والفصائل الوطنية.
وللتوضيح اكثر فان حماس وباختصار هي جزء من مشروع جماعة الاخوان التي تحتفل هذه الايام في الذكرى التسعين لتأسيسها، مشروع حماس والاخوان وبحكم طبيعته الاسلاموية الرجعية كان مناهضا للمشروع العربي القومي النهضوي، وبالتالي للمشروع الوطني الفلسطيني.
لانها كذلك فأن حماس رفضت ولا زالت ان تكون جزءا من منظمة التحرير وشريكا فيها، ورفضت ان تكون جزءا من القيادة الفلسطينية الموحدة للانتفاضة الاولى. من هنا فان حماس كانت تتحرك بشكل منفرد ولا زالت، وهي تنطلق من اجندتها الخاصة ، التي تلبي اولويات ومصالح جماعة الاخوان اساسا.
ونذكر هنا بتوقيت عمليات حماس الانتحارية في الفترة ما بعد اتفاقيات اوسلو، فجميع هذه التوقيتات كانت تشكل مبررا لاسرائيل اما للتهرب من تنفيذ الاتفاقيات والانسحاب منها تدريجيا او الانقضاض على الشعب الفلسطيني ومؤسساته الوطنية وتدميرها. هذه العمليات لم تكن تخدم سوى اجندة حماس ومن يقف خلفها. فتضحيات الشعب الفلسطيني في الحروب الثلاث التي شنتها اسرائيل على قطاع غزة حولتها حماس انجازا لها ولجماعة الاخوان ومحورهم الاقليمي.
فالخوف اليوم ان يتكرر الامر ذاته، بان تحاول حماس استثمار تضحيات الحراك ا الشعبي الفلسطيني، وهذا الجهد النضالي لمصلحتها ومصلحة الجماعة والحلف الاقليمي، من دون ان يتحول الى انجاز وطني فيه مصلحة للشعب الفلسطيني عامة. هناك مؤشرات على نوايا حماس هذه، فجماعة الاخوان التي احتفلت في اسطنبول امس في الذكرى التسعين لتأسيسها حاولت ان تستثمر التضحيات والدم الفلسطيني لمصلحتها وبما يخدم اهدافها لا اهداف الشعب الفلسطيني.
فالسؤال الان، كيف يمكن ان نستثمر تضحيات الحراك الشعبي الباسل ونحوله الى انجاز وطني في ظل الانقسام؟ الاجابة الايجابية على هذا السؤال هي ان نستثمر هذا التحرك وهذه التضحيات من اجل انهاء الانقسام نفسه وليس لتعميقه مرة اخرى. اذا حقق هذا الحراك الوحدة الوطنية يكون قد حقق هدفا وانجازا وطنيا كبيرا.