أصول الضيافة.. وحق الضيف على المضيف
المحامي د.ايهاب عمرو
لعل الدارج عن العرب، وأعتز بكوني أنتمي لهم، أنهم مضيافون بحق من يزورهم أو من يستجير بهم. وأثبت التاريخ صحة تلك المقولة من خلال نماذج سمعنا وقرأنا عنها، كذلك يبرز كرم العرب وحسن ضيافتهم لزائريهم، وحسن معاملتهم لمن يستجير بهم. وكان النبي محمد صلى الله عليه وسلم القدوة في ذلك، حيث كان جواداً معطاء وكان يعطي بنفسه كل من كان يطرق بابه لحاجة، عكس ما يفعل البعض الآن ممن يطلب من أحد أفراد أسرته إعطاء السائل بعض ما يريد.
ولعل الدارج لدى العرب كذلك، مخطئين بالطبع، أن الناس في الغرب لا يقومون بواجب الضيافة قبل الآخرين وأنهم لا يهتمون سوى بأنفسهم. ولاحظت أثناء إقامتي السابقة في أوروبا إلى أي حد كان الناس في الغرب كرماء ومضيافين، خصوصاً في دول جنوب أوروبا، وبعض دول شرق أوروبا كذلك. وهالني الكرم الذي تميز به الشعب اليوناني عندما أقمت عندهم أثناء دراسات الدكتوراة، خصوصاً عندما كنت أزور زملائي في بيوتهم المؤقتة في مدينة أثينا، أو في بيوتهم الدائمة في المدن الأخرى وفي الجزر اليونانية الجميلة كذلك، ما عكس أبهى صورة عنهم وعن عوائلهم، وعن الشعب اليوناني عموماً.
ورأيت كيف كان يعاملني أساتذتي بطريقة متحضرة وإنسانية عميقة ما عكس كرم أخلاقهم، حيث قاموا منذ البداية بفتح أبواب مكاتبهم أمامي سواء كانت في الحرم الجامعي أو مكاتب المحاماة الخاصة بهم أو في المعاهد التابعة للكلية، وكذلك تقديمي لأفراد عائلاتهم، ناهيك عن اصطحابي لحضور مؤتمرات خارجية وتقديمي لأساتذة آخرين ما فتح أمامي آفاقا علمية أرحب بعد ذلك. إضافة لكونهم دائمي السؤال عني عبر الاتصالات والمراسلات الالكترونية سواء أثناء وجودي في اليونان أو حين مغادرتي لزيارات عائلية أو علمية.
وحتى في دول غرب أوروبا تجد الناس، عكس ما يعتقد معظم العرب، كرماء وبسطاء رغم تمتعهم بمعايير رفاهية عالية المستوى. وأذكر أثناء إقامتي في مدينة لاهاي الهولندية التي تعد من أغنى مدن العالم كيف عاملني أصحاب المنزل باحترام، وكيف سمحوا لي باستخدام جهاز الكمبيوتر الخاص بهم لأغراض الطباعة الورقية. إضافة إلى إيصالي بسيارتهم الخاصة أكثر من مرة للمؤسسة الأكاديمية التي كنت أعمل بحثي المحكم بها، وكذلك اصطحابي معهم للتنزه، ناهيك عن قيامهم بإيصالي للمطار عند مغادرتي. وكل ذلك جعلني أشعر أنني واحد منهم ولست غريباً عنهم. كذلك، لاحظت حجم المعاملة الراقية التي عوملت بها من قبل القيمين على المؤسسة الأكاديمية والعاملين والدارسين فيها، ما جعلني أستشعر تلك المعاملة الإنسانية من الأعماق.
وفي العالم العربي، تجد واجب الضيافة متأصلا عند العرب من مسلمين ومسيحيين، وأذكر أثناء إقامتي في مدينة بيت لحم لفترة وجيزة كيف كان أصحاب المنزل الذي كنت أسكن فيه يعاملونني كأحد أبنائهم، حيث فتحوا لي أبواب بيتهم على الدوام، واعتنوا بي حق الاعتناء. وامتدت تلك الرعاية إلى جيرانهم الذين كنت أزورهم بين الفينة والأخرى مع قيامهم بواجب الضيافة على أكمل وجه.
وذلك ليس بغريب على العرب، من مسلمين ومسيحيين، الذين عرفوا بالكرم والجود واحترام الضيف، خصوصاً بحق من ينتقل من بلدته إلى بلدة أخرى أو من دولته إلى دولة أخرى للدراسة أو للتدريس كأستاذ مدرسي أو جامعي.
ولا ينقص من الأمر شيئاً وجود بعض الحالات الشاذة التي لا تتم معاملة الضيف/ة فيها بشكل لائق من قبل بعض مضيفيه العرب، خصوصاً عند انتقاله/ا من دولة لأخرى لغايات الدراسة أو التدريس، كما أسلفنا. كأن لا تتم معاملته/ا في حالة كونه/ا طالباً بشكل لائق من قبل زملائه أو زميلاته وأساتذته. وكأن لا تتم معاملته/ا في حالة كونه/ا أستاذا بشكل حسن من قبل بعض زملائه/ا المواطنين أو من قبل بعض الطلاب والطالبات الذين يقوم بتدريسهم، أو من قبل رؤسائه/ا في العمل.
وتلك الحالات الشاذة لا تعكس أخلاق العرب ولا شيمهم النبيلة أو صفاتهم الحميدة ولا ينبغي تعميمها على الاطلاق رغم الألم النفسي الذي قد يشعر به من يتعرض لتلك المواقف، خصوصاً عند قيامه/ا برسم صورة ذهنية لشعب تلك الدولة من حيث كونهم كرماء ولطفاء ومضيافين في حين أن الحقيقة قد تظهر له/ا عكس ذلك بسبب سوء معاملتهم له/ا وقسوتهم عليه/ا وحتى إنهاء خدمته/ا دون أسباب وجيهة في بعض الحالات، كما يحدث في بعض الدول العربية الآن، وكما حدث مع أكثر من شخص أعرفهم حق المعرفة، مرتضين، أي المضيفين، أن يحملوا نفساً آثمة وأن يعكسوا صورة سلبية على شعبهم ودولتهم، ومرتضين كذلك أن ينقضوا أخلاق دينهم الحنيف، حيث حثت الشريعة الاسلامية الغراء على احترام الضيف والقيام بواجبه على الوجه الأكمل.