ذكرى النكبة.. أعادت الحاج خضر 70 عاما للوراء
عيد ياسين
"ما زلت أذكر شجرتي الجميز والخروب اللتين كنا نستريح تحتهما ونستظل بظلهما من أشعة الشمس، تلك الشجرتان اللتان زرعهما جدي بيديه حسب رواية والدي"، هكذا استهل حسن خضر (83) عاما من بلدة كفر جمال جنوب طولكرم، حديثه عن أرض عزبة حمدان.
أرض الخربة المقامة عليها مستعمرة "كوخاف يائير" غرب فلامية حاليا، قال وبحسرة: "ساق الله على أيام زمان وعلى أيام البلاد، أتمنى أن أعود إليها يوما واحدا أشم هواءها، وأتذوق ماءها العذب ثم أفارق الحياة، وأدفن فيها، كرمت عليّ في طفولتي، وستحتضنني وقت مماتي"..
واستذكر، النكبة والتهجير القسري الذي تعرض له وعائلته وأهالي بلدته في العام 1948، وفراقهم الخربة التي تزيد مساحتها عن (14) ألف دونم.
وقال: "عُمْر الظلم ما بدوم، ما أخذ بالقوة سيسترد ولو بالقوة، وسيأتي يوم نعود به إلى أرضنا، وان لم نعد نحن، سيعود أحفادنا وأبناء أحفادنا إليها مهما طال الزمان أو قصر، وأن والحق لا يهدر بالتقادم".
وتابع، التاريخ يعيد نفسه، وخطط الترحيل والتهجير التي ينتهجها المحتل واحدة، ولم تعد تخفى على أحد، الاحتلال واحد مهما تغيرت الوجوه.
"في عام 1948، أحاطوا المنطقة المذكورة بسياج، وأجبروا المزارعين على الدخول إليها عبر بوابات وبتصاريح لم تدم طويلا، وفي العام (2002)، أقام الاحتلال الجدار العنصري على ما تبقى من أرض الخربة، واجبروا المزارعين (أصحاب الأرض)، على الدخول إلى أراضيهم بواسطة تصاريح عبر بوابات الكترونية لإجبارهم على الرحيل عنها".
وبين: "طوال حياتنا، الأرض تعني لنا الكرامة والعزة والحياة، وتعطينا ما طاب ولذ من خيراتها وثمارها، أفنينا زهرة شبابنا بخدمتها، رويناها وأجدادنا بعرقنا، وكان عمري حينها لا يتجاوز الأربعة عشر عاما".
"كنا نزرع بها الفواكه والخضار، نصّدر الفائض عن حاجتنا من منتجوها من خيار بلدي وشمام وبطيخ إلى يافا عروس فلسطين"، مشيرا إلى انه في إحدى المرات زاد وزن البطيخة الواحدة عن (25) كيلوغراما، قال.
"وكنا نذهب إليها بحرية في أي وقت نراه مناسبا، سكناها صيفا وشتاء دون أية مضايقات من أحد، شيدنا بها غرفتين، كنا نعتلي الخص صيفا، كانت بها شجرتا خروب وجميز نستريح تحتهما وقت الحصيدة" نوه خضر.
ويبين أن كفر جمال كانت تملك حينها (14) ألف دونم، لوالده وجده (500) دونم، تبدأ من غرب فلامية لتمتد إلى حدود بلدات وقرى قلنسوة والطيرة والطيبة داخل المناطق المحتلة عام 1948، وكان يطلق عليها حينها خربة حمدان وخربة الرحيلة.
بدأت عملية التهجير للفلسطينيين من قراهم ومدنهم بداية العام 1948، حيث بثت عصابات الهاغانا الإسرائيلية حينها الإشاعات عبر الإعلام البريطاني، وتحدثت عن مزايا الاتفاقية التي وقعت مع المحتل، والتي تعطي المزارعين الحق بممارسة نشاطهم داخل أراضيهم بحرية (اتفاقية رودس).
وقال، "بعد خمسة عشر يوما من هذه الاتفاقية تفاجأنا بعمليات مسح وتخطيط وترقيم على حدود هذه الأراضي، ليتم بعدها عملية تشييك وتسييج، ومنع المواطنين والمزارعين من الدخول إليها إلا عبر بوابات حديدية.
وتابع، "لم تستمر هذه العملية إلا أياما قليلة، وعند منتصف شهر آذار من عام (48) أجبرت خلالها عصابات الاحتلال، السكان على الرحيل عنها، بعد أن مارست أشد وأقذر عمليات الترويع والتخويف والضغط على المزارعين الذين قرروا السكن بداخلها لحمايتها، إلا أن عصابات الاحتلال روعت المزارعين وسرقت أغنامهم مثلما حصل مع آل حمدان ودار علي، إلى أن اضطررنا للرحيل معتقدين أن الغياب لن يطول، واستمر حتى هذا اليوم".
وأضاف: "بنفس الأسلوب والطريقة استولى الاحتلال على ما تبقى من هذه الأرض، بعد أن أقام الجدار العنصري عليها تحت حجج الأمن، وكأن التاريخ يعيد نفسه.
وأشار الحاج خضر إلى "أن الاحتلال حاول في العام (2002) وعند الشروع بإقامة الجدار العنصري اللعين تجميل نفسه، بإصدار تصاريح للمزارعين، إلا أن الأهالي احتجوا على الجدار من خلال تنظيم مظاهرات واحتجاجات، رافضين التصاريح الزراعية التي أعدتها لهم ما تسمى "الإدارة المدنية" دون علمهم، وقالت وقتها للضابط الإسرائيلي، لن تضحكوا علينا مثلما خدعتمونا عام 1948".