"من القرية إلى المخيم".. رحلة لجوء لم تنتهِ
إيهاب الريماوي
محظوظون أولئك الذين خرجوا بشيء من ممتلكاتهم، في قراهم التي تعرضت لهجوم مفاجئ أو حصار أو مذبحة، من قبل العصابات الصهيونية عشية نكبة عام 1948.
وتظهر روايات من هُجروا قسرا من ديار كانوا آمنيين فيها، بأن قلة منهم أسعفهم الحظ بحمل شيء أو أكثر اسهم في تخفيف بلوى التشرد والحرمان.
وتذكر الكاتبة ربيحة علان، في كتابها من القرية إلى المخيم، بأن معظم اللاجئين لم يخرجوا معهم شيئاً على الإطلاق، حيث كان المحظوظ فيهم من اخذ معه على عجل قطعة ملابس يستر فيها جسده، او عباءة تغطي فيها الأم طفلها، أو صرة طعام، وحتى هؤلاء خسروا هذا الشيء البسيط الذي حملوه، لينضموا إلى الألاف المعدمين، خلال حالة الفزع، وصعوبة الطرق التي ترافقت مع إطلاق النار على المهجرين، فكان المهجرين يخسرون كل ما يملكونه، او البعض منه أو حتى السيارة ذاتها.
لم يهمل بعض اللاجئين وفق علان، الوثائق المهمة للعائلة كرخصة بناء البيت، او ملكية الأرض (كوشان)، او مفتاح المنزل، كما أن قلة أخرجوا عربة تجرها الحيوانات، وأن من كان يملك وقتا ومالا خرج بسيارته ومصاغه الذهبي ".
وتذكر الحاجة "أم سعيد" في شهادتها عن واقع التهجير، أن ابن خالتها كان يملك شاحنة صغيرة، حيث حمل عائلته فيها، ولما واجه صعوبة في سلوك الطرقات نظراً لانتشار العصابات الصهيونية في معظم المناطق، اضطر بان يتركها ويسير هو وعائلته على أقدامهم.
ويروي الكاتب إياد شاهين في كتابه: حكاية قرية مدمرة- بشيت، أن قوات عصابات "الهاجاناة" طوقت القرية التي تقع إلى الجنوب الغربي من الرملة، تمهيداً لدخولها إلا أنهم فشلوا بسبب صمود أهلها واستحكامهم داخل القرية، وتضاربت الروايات حول سبب نشوب المعركة، فحسب الروايات الشفوية نشبت إثر مقتل يهودي قرب القرية.
وفي كتاب من ذاكرة الوطن (القرى الفلسطينية المهجرة في قضاء حيفا) للكاتب جميل عرفات، يتحدث الكاتب عن تفاصيل هجوم عصابات "الهاجاناة" لقرية السنديانة جنوب حيفا في 13-11-1947، حيث اشتبك الأهالي معهم وصدوا هجومهم بعد أن أوقعوا فيهم خسائر كبيرة، وفي شهر أيار اضطر سكان القرية إلى إخلائها بعد سقوط يافا وسلمة، ثم هاجم اليهود القرية في 5 أيار وأخلوها بعد معركة ضارية.
وفي 10 حزيران هاجم الثوار لاسترداد بلدتهم وتمكنوا من ذلك بعد أن أوقعوا خسائر فادحة بين اليهود، واستمر تقدم العرب نحو كفر عانة والسافرية، وكادوا يستردونها لولا صدور الأمر بوقف القتال حيث عقدت الهدنة الأولى ثم انسحب العرب بعد أن طوقهم اليهود.
وترى الكاتبة ربيحة علان، في كتابها من القرية إلى المخيم، بأنه كان يمكن تحصيل الكثير من حقوق اللاجئين وإتاحة الفرصة لهم للضغط باتجاه العودة لو لم يمنعوا من التمركز على حدود دولة الاحتلال، حيث يكونوا أقرب ما يمكن لمناطقهم التي هجروا منها، وكان توفر الماء واحداً من أسباب اختيارها كموقع لمخيم اللاجئين خاصة في مناطق الضفة الغربية التي تعاني من نقص في مصادر المياه، اضافة لإيجاد قطعة أرض يتم استئجارها من قبل الوكالة أو يتبرع بها مواطنون.
وبين عامي 1948و 1949 هجرت العصابات الصهيونية 351 قرية فلسطينية، وكان يقطنها نحو 807 ألف فلسطيني آنذاك. وفي عكا هجر سكان 30 قرية وعددهم 47 ألف، والرملة 64 قرية وعددهم 97 ألف، وبيسان 31 قرية وعددهم 20 ألف، وبئر السبع 88 قرية وهجر 90 ألف، وغزة 46 قرية وعددهم 80 ألف، وحيفا 59 قرية وعددهم 122 ألف، والخليل 16 قرية، وعددهم23 ألفاً، ويافا 25 قرية وعددهم124 ألفاً، والقدس 39 قرية وعددهم 98 ألف، وجنين 6 قرى وعددهم 4 آلاف، والناصر 5 قرى وعددهم 9 آلاف، وصفد 78 قرية وعددهم 53 ألف، وطبريا 26 قرية وعددهم 29 ألف، وطولكرم 18 قرية وعدد 11 ألف.
ha