الانكشاف الأميركي سيزداد انفضاحا
يحيى رباح
وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض قبل عام ونصف العام تقريبا، كان معناه الأول أن البيت الأبيض سقط نهائيا تحت سيطرة الأنجليكان، المسيحيين المتهودين، والأكثر تعصباً من الصهاينة أنفسهم، فهؤلاء حجمهم كبير في أميركا، وعندهم فهم إشكالي لروايات التوراة التي لم يحاول محررو التوراة الاوائل أن يزيلوا تناقضاتها الكبرى فتركوها تنفي بعضها بعضا، وقد نشط هؤلاء خلال حملة ترامب الانتخابية بإظهار أن البيض في أميركا قد نالهم غبن كثير بسبب سياسات الإدارات السابقة بسبب حرية التجارة، وبسبب الشركات العالمية، ما أدى إلى بروز أنداد كبار لأميركا على الصعيد الاقتصادي، وفي مجال الدور السياسي، وفي صنع القرار العالمي، وقد وجدوا في دونالد ترامب ضالتهم ودميتهم لتحريكه في الاتجاهات التي يريدونها، فبدأ ترامب في اعتماد سياسات يمكن وصفها بالإرهابية مثل مشروع بناء سياج حول المكسيك على حسابها، وأن على الأنظمة التي تحميها أميركا من المخاطر المتوهمة أن تدفع ثمن هذه الحمابة، وأن الدول التي تأخذ مساعدات من أميركا يجب أن تصوت في مجلس الأمن والجمعية العامة لصالح أميركا حتى لو كان هذا التصويت متعارضا مع مصالحها وقناعاتها ومبادئها وسلامها الداخلي، وهذا معنى أميركا أولا عند ترامب حين تمكن محتلو البيت الأبيض من حشو عقله بهذه الأفكار البغيضة.
ديفيد فريدمان، السفير الأميركي في إسرائيل، يعبر في أقواله وممارساته عن هذه السياسة الغبية والمستفزة، فحتى قبل صورته المنشورة مع صورة القدس من دون مسجدها الأقصى، والهيكل الخرافة موجود فيها، وكان يبتسم بغباء شديد، ووقاحة أشد، لا تخرج عن هذا السياق، فهو أحد داعمي الاستيطان الإسرائيلي في بلادنا، وآخر أشكال هذا الاستيطان هي البؤرة الاستيطانية التي أقامها دونالد ترامب تحت عنوان سفارة، كما أن ديفيد فريدمان يرأس مجموعة إرهابية يهودية مصنفة حتى من قبل الحكومة الإسرائيلية بأنها إرهابية، وقد بذل فريدمان جهوداً خارقة ليظهر احتفال نفل السفارة إلى قدسنا احتفالا عظيما، فلم يفلح، فقد كان الاحتفال تافها، ولم تجد ابنة ترامب وزوجها جارد كوشز وهو من بلهاء المسيحية المتصهينة من تستعرض أمامه سوى الرئيس الغواتيمالي جيمي موراليس، يا للهزء!!!!
وها هو دونالد ترامب بعد كل الذي فعله، يقول إنه سيعرض صفقته التافهة التي ولدت ميتة، وكمقدمات لنهجه المفروض عليه من حلفائه الجدد، ينسحب من الاتفاق النووي الإيراني دون أن يتمكن من إقناع الأطراف الآخرين بالانسحاب!!! ويلغي لقاءه مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون الذي طبل وزمر له كثيراً ولكنه ينسحب من اللقاء ويلغيه دون أن يقول لماذا!!!! ويتحدث عن صفقة سوداء اسمها صفقة القرن مع أنه زرع طريقها بالمطبات المستحيلة، وفقد سلفا مشاركة وموافقة الطرف الفلسطيني، فمع من سيعقد الصفقة، متصهين يعقد الصفقة مع الصهانية!!!! ياللعجب، وكان ما فعله من خبيات بإعلانه عن القدس، وحربه على الأونروا هي خطوات سلام عبقرية إلا أن الغباء شطحات تفوق الخيال.
لو أن دونالد ترمب له عقله الخاص الأميركي الذي ليس منداحاً أمام جماعات المسيحية المتصهينة لقلنا إن صفقة القرن مبنية على أساسات قوية، وتجارب عالية المستوى، أما وأن ترامب يترك سفيره في إسرائيل يتصرف على أساس أنه يهودي أولا، وصهيوني أولا، ومستوطن أولا، ويرأس جماعة إرهابية يهودية أولا، فمعناه أن ترامب يضع الدور الأميركي في مهب الرياح، أمام مغامرات مثيرة للجدل، وأمام مخاطر عدم الاستقرار، فهذه هي المأساة، أما غباء فريدمان، وسماجته، وتصرفاته الاستفزازية، فهي ليست سوى نقطة من بحر العداء والفشل الذي ستواجهه أميركا في المراحل القادمة.