وأد البنت وجريمة الشرف
حنان باكير
رباط غير مقدس، بل هو اعتساف على الشرف، الذي لم نستطع تحديد مفهومه وحدوده، لاسيما حين يتعلق بالجندر.. وكأن مفهوم الشرف قابل للتجزئة والتصنيف والتعريف، لدى المرأة والرجل، وكأنهما ليسا نفسا بشرية وإنسانية واحدة!
لا أعتسف على الحقيقة، إن قلت أن الجذر التاريخي لجريمة الشرف، هو وأد البنت، الذي حرّمه الدين الإسلامي. ورغم ذلك فإننا نلاحظ ارتفاع نسبة جرائم الشرف، كلما ارتفع منسوب المدّ الديني المتعصب والمتطرف، وهذا ما نشهده الآن في كافة مجتمعاتنا العربية، وإن بنسب مختلفة. فهذه التربية القبلية، في صلبها وجوهرها، تقوم على فكرة، استباحة دم البنت، مهما كانت الدوافع. وكأن علاقة حميمة، تربط بين الدين وتلك الجرائم، التي هي جرائم حقيقية، مهما زيّنا وجهها القبيح، ولا فرق بين الديانات في هذا الموضوع، وإن كانت أكثر وضوحا في مجتمعاتنا الإسلامية، العربية منها وغير العربية، وبعضهم يُمارسونها في الدول الغربية!
إعطاء أمثلة على هذا الموضوع، أكثر من أن تحصى وتعدّ. وهي تملأ وسائل الإعلام بكافة تنوعاتها. قبل سنوات طويلة، كانت تقام " محكمة النساء"، حيث تجتمع وفود نسويّة، على شكل محكمة ومحامين وقضاة. فقط القضاة كانوا من الرجال. ويرافق الوفود، نساء خضعنا للتعذيب مع صور، لا تحتملها المشاعر. وأفلام مصورة، لنساء وفتيات، ذهبن ضحايا لجرائم " شرف "، وقد أثبت الطب الشرعي، عذريتهن، بعد فوات الأوان. كانت الوفود المشاركة من جميع الدول العربية، وكان يُفترض انعقاد المحكمة، كل سنة في بلد عربي، لكن معظم الدول عارضت الأمر، فكان أكثر ما يتم استضافته في بيروت، في فندق الكارلتون.. وكم كانت تلك المشاهد والقصص، تُبكي القضاة الرجال.
اعتراض معظم الدول العربية، على استضافة " المحكمة "، على أراضيها، كان دليل تواطؤ، أو رضى، أو نفاقا لرأي عام يُجمع على التخلف والتمسك بأفكار جاهلية، ربما ظلما نطلق هذه التسمية على تلك الفترة التاريخية، " فالجاهلي"، كان يتغنى ويعتز برفعة نسائه ومكانتهن. ألم يضرب الشاعر عمرو بن كلثوم، رأس الملك عمرو بن هند بسيفه، لمجرد أنه سمع صوت أمه، في خيمة مجاورة، تصرخ " واذلاه يا لتغلب"! ألم يتغنى الشاعر الجاهلي، " بنؤوم الضحى"!
وفي القرن الواحد والعشرين، ما زالت القوانين تحمي المجرم، بتخفيف العقوبة. كون الرجل كان في سورة غضب، لم يتمالك نفسه، من الإقدام على جريمة، تغسل عارا استشعره.. وبحدود معلوماتي، لا أعرف، أي تعديل طرأ على هذا القانون، واعتباره جريمة كاملة مع سبق الترصد والإصرار، ومعاقبة المجرم على هذا الأساس. هذا التهاون، شجّع على تلفيق تهم الشرف للمرأة، لحرمانها من الميراث. أو كون المعتدي هو قريب للبنت، بما يسمى سفاح القربى، وخوف افتضاح الأمر يتم تلفيقة " شرف"!
تتحمل القوانين المتواطئة، مسؤولية تفشي تلك الجرائم، بالدرجة الأولى. ولا نعفي المرأة من مسؤوليتها، في المساهمة بها. فنجد المرأة ترتكب الجريمة مباشرة، أو تحريض أحد أبنائها أو أقاربها، لتقديم دم المرأة، قربانا لشرف العائلة. وربما يكون دافعها، الخوف من تحميلها المسؤولية، أو عن قناعة، نتيجة التربية وضغوط البيئة.
والمرأة، التي تعاني في طفولتها وشبابها من التمييز القائم على الجندر، ستجد نفسها لاحقا، تمارسه، مع بناتها، وتتبع السلوكيات ذاتها، نتيجة إدمانها الشعور بالدونية، أو اعتياد حياة العبودية.
يُروى عن أمير فرنسي، كان قد سجن لسنوات طويلة، في سجن الباستيل، وبعد سقوط الباستيل، وإطلاق سراح سجنائه، حبس الأمير نفسه في غرفة مظلمة في بيته، رافضا استقبال أحد، فقط خادمه، الذي كان يحضر له طعامه! فقد استأنس حياة العبودية واعتادها.
لنبدأ الخطوة الأولى نحو إلغاء تلك الجريمة، التي تلصق بالشرف، بإصدار قانون صارم، لا يرحم المجرم، ثم البدء بتقديم تربية اجتماعية، في المناهج الدراسية، تقوم على المساواة الإنسانية بين الذكر والأنثى. وحبذا بقانون يحدد لنا ما هو الدليل على شرف الرجل!