الى أين يقودنا هؤلاء؟
محمد علي طه
كتبت الهنديّة أروند هاتي روي مؤلّفة الرّواية الأكثر رواجًا في العالم "إله الأشياء الصّغيرة" في مؤّلّفها غير الرّوائيّ "ثمن العيش": "إنّ الكتّاب ينجذبون إلى القصص كما تنجذب النّسور إلى الصّيد". وأعترف أنّ انجذابي إلى القصص الّتي حدثت وتحدث يوميًا في بلادنا يسرق النّوم من عينيّ في ليالٍ عديدةٍ. وكثيرًا ما أتساءل: الى أين؟ الى أين نحن ذاهبون؟ لوين رايحين يا عالم؟
الشّرطيّ العنيف الّذي يرى في الانسان العربيّ مخرّبًا وعدوًّا ليس نبتةً شاذّة في حقل الأمن الاسرائيليّ، ولم يكن غريبًا أن يكون إقباله على تفريق مظاهرة لشبّان عرب مثل إقباله على حفلةٍ ليليّة صاخبةٍ ماجنة، وأن يتعامل مع هذا العربيّ باحتقار وباستعلاء، وأن يشتم أمّه ويكسر عظامه. هذا الشّرطيّ رضع كراهيّة الاخر من البيت والمدرسة والحيّ وملعب كرة القدم ودار العبادة ومن تصريحات قادة الدّولة، هذه الدّولة الّتي تظاهر مئات الالاف من مواطنيها قبل 36 عامًا في ساحة رابين في تل أبيب احتجاجًا على مجزرة صبرا وشاتيلا الّتي ارتكبتها قوّات الكتائب اللبنانيّة (عربٌ قتلوا عربًا!!) بينما رقص عشرات الآلاف من أبنائها وبناتها وغنّوا في السّاحة ايّاها ليلة 14 أيّار قبل أن يدفن الفلسطينيّون ضحاياهم الّذين اصطادهم قنّاصّة الجيش الاسرائيليّ.
الى أين؟
لن أكرّر ما قاله ذلك الفلّاح العجوز بطل قصّتي "الاستثناء والقاعدّة" الّتي نشرتها في العام 1970 "جاء الأتراك وذهبوا ثمّ جاء الإنكليز وانقلعوا وبقينا وبقيت هذه المراعي وهذه الأرض لنا" لأنّنا نسعى لتغيير الواقع الرّماديّ الى واقعٍ أخضر مثل عشب الكرمل نستطيع التنّفس فيه، كما نسعى الى لجم العنصريّة والفاشيّة على الأقلّ ان لم نستطع محقهما الآن، مثلما أسعى منذ قصّتي الأولى لزرع الأمل في نفوس الأبناء والأحفاد كي يبقوا منغرسين في هذا الوطن الصّغير الجميل ولن أنتظر مجيء فارس الزّمن على جوادٍ أبيض كي يفعل ما فعله السّابقون وأنا أستند على عكّازٍ اسمه "التّاريخ يعيد نفسه" حتّى لو عاد بالصّورة الّتي ذكرها كارل ماركس.
لا يسعني الا أن أعتزّ بأبنائي الّذين تظاهروا في حيفا وغيرها بترخيص أو بدونه وأن أحني رأسي أمام شجاعتهم وحسّهم الوطنيّ على الرّغم من أنّهم سرقوا النّوم من عينيّ لأنّهم نجحوا في العلوم السيّاسيّة والتّاريخ ولم يتوفّقوا في الجغرافيا ونسوا لرمشة عين أن حظّنا من ديمقراطيّة هذه الدّولة هو فتات المائدة.
وصف وزير الأمن الفلسطينيّين بأنّهم "أكلة لحوم بشر" هكذا خبط لصق، في حين أنّ قنّاصته قتلوا 62 فلسطينيًّا وجرحوا ثلاثة الاف في يوم واحد في مسيرة العودة السّلميّة. كما وصف وزير الأمن الدّاخلي نائبًا عربيًا من حزب صهيونيّ في أثناء حديث الأخير عن تصرّفات الشّرطة في مظاهرة حيفا بأنّه "بهيمة" لا يحقّ لها أن تناقش ولا يجوز لها أن تتهم معالي الوزير بالكذّب المنقطع النّظير.
نجح النّائب العربيّ في الخطابة باللغة العبريّة الفصحى وفشل في المدنيات لأنه لم يتذّكر بأنّه عربيّ ولم يعرف حدوده في دولةٍ مفصّلةٌ ديمقراطيتها على مقاس الاخر. كما نسي أن الوزير ديمقراطيّ جدًّا وخلوقٌ جدًّا.