فيتو ترامب صحيح.. فالظالم لا يحمي الضحية
موفق مطر
قد يأتي يوم ليس ببعيد، نشهد فيه انقلابا في نيويورك، حيث نرى في بث مباشر الشرطة الفيدرالية الأميركية تقتحم مبنى الأمم المتحدة وتطلب من جميع مندوبي الدول المغادرة فورا، ليس على سبيل الأمن والاحتياط من عمل ارهابي، وإنما لأن ادارة ترامب باتت على يقين بانعدام قدرته على اخضاع الجمعية العامة للأمم المتحدة عموما، ومجلس الأمن الدولي خصوصا، فإدارته المتنمرة والمخالفة لأبسط قواعد الحكم الديمقراطي في العالم قد أزاحت كل الشعارات الزائفة عن العدالة والحرية والديمقراطية وحقوق الانسان التي كانت تستر بها عورتها.
لم ولن نتوقع ان تكون ادارة ترامب مع مبدأ تأمين الحماية للشعب الفلسطيني باعتباره الضحية، لأن ترامب قد زج الولايات المتحدة الأميركية كشريك في الاحتلال الاستعماري مع الدولة القائمة بالاحتلال اصلا (اسرائيل)، وعليه فإن مندوبة ترامب في مجلس الأمن كانت صادقة ومنسجمة تماما مع سياسة سيدها ورئيسها عندما قالت: حتما سنصوت ضد قرار لحماية الفلسطينيين، فهذا العنصري، النسخة الثانية من هتلر، لا يريد رؤيتنا احرارا، وإنما امواتا، ومشردين ومهجرين وأسرى، ويسره رؤيتنا جياعا نسعى وراء كيس الطحين الأميركي تاركين مبدأ الحرية وراءنا بآلاف الأميال.
الفيتو الأميركي ضد القرار الذي قدمته دولة الكويت الشقيقة لتشكيل بعثة دولية لحماية الفلسطينيين، لا نعتبره ضربة لنا، وانما لمنظومة المجتمع الدولي، وللعالم الحر الذي لا ينفك عن الادعاء بمقولة حماية حقوق الانسان والانتصار للمظلومين في العالم، وينادي بنشر قيم العدل والحرية.
بعد دخول ترامب البيت الأبيض رئيسا، خرج للعالم شاهرا سيف الحرب والارهاب بأشكال متعددة بدأها فعلا في منطقتنا عندما قرر الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة للقوة القائمة بالاحتلال اسرائيل، وهذه بعينه افظع تمرد وخروج على الشرعية الدولية، وما الفيتو الأميركي الأخير الا تعبير مبسط عن مدى العدائية التي تكنها ادارة ترامب للمجتمع الدولي ومنظومة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، ذلك ان هذا الرجل – ونظرا لتأصل الاستكبار والاستعلاء المرفوع على ركائز القوة العسكرية والاقتصادية، وارتفاع منسوب العنصرية في دماغه - يظن بنفسه بديلا عن القوانين والشرائع الدولية، وقد لا نخالف الواقع اذا قلنا ان ترامب يرى نفسه المتصرف الأوحد بمصير العالم.
تمثل دولة الكويت الشقيقة المجموعة العربية في مجلس الأمن، ومواقف مندوبها الشجاعة تحسب لشخصه ولدولة الكويت وللمجموعة العربية، وفي هذه اللحظات – حيث اسقطت الكويت مشروع قرار اميركي، ومنعت ادانة الضحية (الشهداء والجرحى الفلسطينيين) نكتشف امكانية حشد الأشقاء العرب رسميا وشعبيا لمواجهة سياسة ادارة ترامب، لكن ليس قبل أن يصغي (الأشقاء الفلسطينييون) الى نداء العقل والحكمة، ويمتنعون عن اعطاء نتنياهو وترامب الذرائع لتقديمنا للعالم بصورة القادرين على خلق ما يدعونه (توازن الرعب) أو (القصف بالقصف) فهذه الهرطقات يستفيد منها (المحتلون المستعمرون المزدوجون ) الاسرائيليون والأميركيون، ويوظفونها لاضعاف روايتنا نحن الضحية.
ندرك جيدا معنى استصدار قرار من مجلس الأمن لحماية شعبنا من ارهاب دولة الاحتلال ومستوطنيها، لكن بامكاننا حماية شعبنا الى حين تحرر المجتمع الدولي من هيمنة الفيتو الأميركي، عبر اعمال لغة التعقل، وتسييد المصالح العليا للشعب الفلسطيني، والالتفاف حول برنامج منظمة التحرير الفلسطينية السياسي، وانفكاك مرتبطين مع اجندات خارجية، رهنوا مصير ومستقبل القضية الفلسطينية وربطوها مع مشاكل وقضايا دول اقليمية نافذة. فالعالم يراقبنا ويحسب علينا كل بيان وكل تصريح وكل حركة في الشارع، وكل فعل، فيشتغل على توظيف أخطائنا بعد تضخيمها وتزويرها وتحريفها، فيقدم نفسه للعالم كضحية، فيما عجلة ارهابه الحادة تمضي على رقاب شبابنا يوميا.