دعم فلسطين هو الخيار الصحيح
يحيى رباح
لا غرابة في أن يختبئ نتنياهو وراء أكتاف دونالد ترامب العريضة، فإنه من الصعب على نتنياهو أن يجد أحدا آخر غير ترامب بهذا الخواء العقلي، وهذا السلوك الفوضوي الذي يبدأ من تطهيره المستمر لكافة مساعديه الذين عينهم في إدارته هو نفسه، ولكنه وجد أن لهم أفكارا غير متطابقة مع أفكاره، فلا يجدون مقابل ذلك سوى هجومه عليهم وطردهم، باستثناء أعضاء جماعات المسيحية المتصهينة الذين يحشدهم حواليه فيزيدونه توغلاً في سلوكه الشاذ ضد العالم بمن فيهم حلفاء أميركا التاريخيون في الاتحاد الأوروبي، الذين لم يوافقوا على انتقاله التراجيدي دفعة واحدة من دور الوسيط في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى دور العدو المكشوف والفاقد لأي رؤى منطقية.
اختباء نتنياهو وراء أكتاف ترامب يدفع الآخر إلى مزيد من السلوك الاستفزازي ضد الفلسطينيين، وضد حتى بعض العرب الذين كانوا يراهنون على ترامب بأنه صالح للاعتماد عليه كحليف فإذا بهم يكتشفون أنه يضاعف عدم الاستقرار، وأنه سيزداد في شطحات عدم الاستقرار، بينما يزداد عدد الأسئلة مرة أخرى حول الطريقة التي وصل بواسطتها إلى البيت الأبيض، بالإضافة إلى ردات الفعل التي يثيرها في علاقاته الدولية، ابتداء من خروجه الذي لم يوافقه عليه احد من الاتفاق النووي، إلى مضاعفة الضرائب على الصلب، إلى لقائه مع الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون، الذي لا نعرف إلى أين تنتهي ملابساته، إلى اللطمات التي يتلقاها في الموضوع الفلسطيني بإسقاط مشروعه في مجلس الأمن بصدور بيان يدين سقوط صواريخ غزة داخل محيط المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وهو نوع من السلوك الشاذ، لأنه عبارة عن إدانة القتيل لصالح القاتل، وإدانة البريء لصالح المجرم المكشوف وهو إسرائيل، هذه اللطمة التي تلقاها ترامب ردت عليها نيكي هيلي مندوبته في الأمم المتحدة بالضغوط لتأجيل التصويت في مجلس الأمن على إجراءات توفير الحماية الدولية، فكيف سيقبل حلفاؤه، أو المراهنون عليه، بهذا السلوك الشاذ.
وهكذا فإن الحالة الفلسطينية المتكاملة، والتي تدار بطريقة عميقة وراقية، تثبت بأنها تصلح لتكون غطاء قوياً لكل معارض لهذا المنهج الأميركي، ولذلك يزداد التصاق نتنياهو بترامب، واختباؤه وراء أكتافه القوية، فمن غير هذه الأكتاف يذهب في صنع العداوة، وفقدان المنطق، وفقدان المصداقية، أكثر من دونالد ترامب نفسه.
في هذه البانوراما، فإن اللقاء المصري الأردني، واللقاء المصري الأردني الفلسطيني، والتنسيق بناء على قراءة موحدة للمشهد، يبدو لقاء نوعياً، مهما، يوحي بالإعداد للمواجهة في حال ذهب الاستغلال الإسرائيلي لأميركا في أشد حالاته خطورة، ويبدو السلوك الأميركي مكشوفاً على حقيقته، أخطاره أكبر بكثير من تطميناته، والثقة بترامب تبدو ضرباً من الأوهام.
و الشيء الآخر، أنه في وسط هذا الصراع المكشوف، وأمام هذا الانحياز الأعمى، فإنه حتى الأطراف الفلسطينية التي تتوهم أنها بضررها الذي تسببه للقضية يمكن أن تبيعه بثمن كبير، إقامة دويلة في غزة، يبدو هذا الوهم نوعاً من العجز المجنون، والذي تكرر الدعوة من القيادة الرسمية والشرعية أن تعود حماس إلى الصف الوطني، وإلى الأولويات الفلسطينية، فلا أحد يمكن أن يعطي حماس أكثر من الشرعية الفلسطينية، شراكة حقيقة، تفاهم واحد بقانون واحد، بسلاح شرعي واحد، أما استمرار الاستماع إلى همسات الشياطين فليس وراءه سوى الخسارة الفادحة.