العنوان الفلسطيني الثابت الوحيد
يحيى رباح
ما تنزلق إليه الإدارة الأميركية ورئيسها دونالد ترامب في المرحلة الحالية، حول الدخول السلبي على الثواب الفلسطينية، خاصة محاولات الالتفاف على الشرعية الفلسطينية والتشويش على العنوان الفلسطيني الذي يمثله بكفاءة منقطعة النظير الرئيس أبو مازن، هذا الانزلاق الخطير والأبله في آن واحد، ليس جديدا البتة، بل هو ثابت من ثوابت السياسة الأميركية وانحيازها الأعمى المتعمد لصالح إسرائيل، وكل الفرق هو أن الأداء هذه المرة يقوم به دونالد ترامب الذي يحب الضجيج المفتعل أكثر مما يجب الإنجاز، ويحب الفشل الصاخب أكثر مما يحب النجاح الصامت.
وعندما ننظر بعمق إلى عناصر السياسة الأميركية التي يحاول ترامب أن يعرضها للتعامل مع القضية الفلسطينية فسوف نجد أنها عناصر وهمية، فكيف للرئيس ترامب أن يقول انه أبعد وحذف القدس واللاجئين عن الطاولة، ثم يدعي أنه يعرض صفقة، صفقة القرن للتفاوض، على ماذا سيجري هذا التفاوض؟ هذا هو السؤال الصادم الأول.
وربما المبرر لهذا الصخب الفارغ، والانحياز الأعمى، والتقدير الزائف للموقف من جانب الإدارة الأميركية ناجم في الأساس أن البيت الأبيض أصبح محتلا بالكامل من جماعات المسيحيانية اليهودية، هم موجودون دائما، ولكن هذه المرة، ومع صعود ترامب إلى البيت الأبيض فإن وجودهم أصبح مكثفا، وهذا الوجود يشكل خطرا على أميركا ومكانتها ودورها، فهذا الدور أصبح تائها بين الحقائق والخزعبلات، وهذا لا يعطي دولة كبرى بحجم أميركا سوى ارتباكات كبيرة مثل الملفات المفتوحة دون إغلاق الآن، مع حلفاء أميركا التاريخيين، ومع شركائها الدوليين الموجودين بندية في كل القضايا والمسائل والتفاصيل.
وهذا الاستهداف الغبي للعنوان الفلسطيني، والدوران حوله باستهتار، ليس أمرا جديدا، الفرق أن الرؤساء الأميركيين السابقين كانوا يكتشفون الخلل فيذهبون إلى الصواب، أما ترامب فإنه يجد من يصفق له فيزداد توغلا في الكارثة.
أيام مؤتمر مدريد، الذي عقد بشروط مجحفة، وذهب إليه الفلسطينيون بوعي عميق وثقة بالنفس، اكتشف الأميركيون أن كل واحد من أعضاء الوفد الفلسطيني الذين كانوا يحاولون أن يجعلوا منه مرجعية منفصلة عن الشرعية الفلسطينية، لم يصعد إلى الطائرة التي أقلته إلى واشنطن إلا بعد أن تحصن بقرار من العنوان الفلسطيني الأول، وهو الرئيس عرفات، حينئذ انحنى الأميركيون باتجاه وصدق الواقع، ولم يغرقوا في المكابرة طويلا، وكذلك جرى عندما اكتشف الطرف الفلسطيني أن اتفاق إعلان المبادئ الذي قدم لعرفات كي يوقع عليه مكتوب مقابل حكومة إسرائيل اسم فلسطيني يتجاوز الشرعية اسم الوفد المفاوض، وقد هدد ياسر عرفات بركوب طائرته والمغادرة لولا أن الاعتراف بالحقيقة أسعف الأميركيين وجعلهم يتجاوزون الخدعة الإسرائيلية، وعدل العنوان إلى العنوان الصحيح منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد، وجرى التوقيع.
الرئيس أبو مازن، كان الأبرز في كل ذلك، وكان العقل المنتبه بشدة إلى أدق التفاصيل، وفي المعركة القائمة حاليا، لم يكتف فقط بتكريس العنوان الفلسطيني، وإنما ذهب إلى أبعد من ذلك فهو يخوض المعركة بمنطق عادل ومقبول وعليه إجماع، وهو يقرأ بذكاء أن فلسطين المحقة والعادلة أصبحت ضرورة للعالم كله، أما الصغار والتافهون وسقط الطريق فهؤلاء ليسوا في الحسبان حتى وهم يعرضون أنفسهم بثمن بخس.