الخان الأحمر.. ملحمة وطنية
باسم برهوم
تجربة الخان الاحمر الكفاحية، التي لا تزال مستمرة، تؤكد مرة أخرى ان الشعب الفلسطيني متمسك بأرضه ولن يفرط بها مهما بلغت التضحيات، وبالرغم أن مسار الصراع لا يزال يسير لغير صالحه. ولمن لا يعرف، فإن معركة الخان الأحمر لم تبدأ قبل أيام عندما جاءت جرافات الاحتلال الاسرائيلي لتزيل عن الوجود بيوت الصفيح لحوالي 330 مواطنا من بدو فلسطين، فهذه المعركة بدأت قبل ذلك بعدة سنوات.
لقد كان هناك ادراك منذ زمن، لدى القيادة الفلسطينية بالأهمية الاستراتيجية لهذه المنطقة (E1) والنوايا الاسرائيلية حيالها. لذلك عملت منذ سنوات وعلى أكثر من صعيد وبالتعاون مع اكثر من طرف دولي من أجل تحصين المنطقة سياسياً. فمن جهة، وبالتعاون مع الاتحاد الاوروبي وجهات دولية أخرى، عملت على تثبيت وترسيخ وجود هؤلاء المواطنين في مناطقهم المهددة، عبر تحسين ظروف حياتهم وتوفير المدارس والماء وفي أحيان كثيرة الكهرباء، إلا ان الاهم أن القيادة جعلت من قضية هذه التجمعات قضية دولية تنال اهتمام العالم، بمعنى انها حصتنها دولياً ليكون صعبا على اسرائيل تنفيذ مخططها
وعلى صعيد آخر قامت حركة فتح بدورها السياسي والتنظيمي عبر تحصين أهلها من بدو فلسطين، وطنياً ليتمسكوا بمناطق تواجدهم وقراهم، والدليل ان سلطات الاحتلال فشلت في كل محاولاتها لإغراء هؤلاء بالرحيل عن مناطقهم سلمياً مقابل حصولهم على قطعة ارض واموال كثيرة وتصاريح عمل داخل الخط الاخضر.
المعركة في الخان الاحمر لا تزال مستمرة وان قرار المحكمة العليا الاسرائيلية الاحترازي بتجميد عمليات الهدم لن يخدع احدا، لذلك لا بد ان نكون جاهزين للجولة القادمة. صحيح ان ميزان القوة ليس لصالحنا والمنطقة بعيدة ومعزولة عن التجمعات الفلسطينية الكبيرة، ولكن، لدينا اصرار وعمل متواصل قد يثمر عن منع تهويد المنطقة التي من شأنها إن هودت ان تنهي حلم اقامة الدولة الفلسطينية وفق مبدأ حل الدولتين.
وفي التفاصيل، فالملفت للنظر في معركة الخان الاحمر، انه في هذه الموقعة المهمة، قد تصدى الجميع رجالا ونساء واطفالا لجرافات الاحتلال، ولاحظنا كيف كان تركيز جنود الاحتلال على كسر شوكة الاطفال تحديدا، بهدف منع تراكم ذاكرة الصمود والانجاز الوطني لديهم. ان ما يجري في الخان الاحمر هو ملحمة وطنية بامتياز، سيكتب التاريخ كيف صمد 330 مواطنا فلسطينيا بدويا على ارضهم، وإن عملية انتزاعهم إن تمت فإنها تمت بالقوة والبطش في اطار سياسة التطهير العرقي.
ومن دون أية مبالغة فإن ما جرى وما يجري بالخان الاحمر، هو مؤشر ستأخذه بالاعتبار الادارة الأميركية صاحبة صفقة القرن، التي ستلاحظ ان الشعب الفلسطيني سيخوض معركة ويقدم كل التضحيات على كل شبر من ارض وطنه، كما كان حاله منذ اكثر من مئة عام ولن يستسلم. واذكر هنا ما قاله الصحفي البريطاني روبرت فيسك لإدارة صفقة القرن، التي تحاول تمريرها عبر حلول اقتصادية وانسانية، تساءل فيسك هل رأيتم الشعب الفلسطيني يوماً يخرج بمظاهرة من اجل تعبيد شارع؟ والمقصود هنا ان الشعب الفلسطيني يكافح من أجل حريته واستقلاله وكرامته ولن يتوقف يوما عن هذا الكفاح.
وبغض النظر كيف ستؤول اليها الامور في الخان الاحمر فإن كفاحنا من أجل تقرير المصير والحرية والاستقلال سيتواصل مهما طال امد الصراع.