الإعلان عن مراسم وداع وتشييع القائد الوطني المناضل الكبير اللواء فؤاد الشوبكي    "مركزية فتح": نجدد ثقتنا بالأجهزة الأمنية الفلسطينية ونقف معها في المهمات الوطنية التي تقوم بها    17 شهيدا في قصف الاحتلال مركزي إيواء ومجموعة مواطنين في غزة    الرئيس ينعى المناضل الوطني الكبير اللواء فؤاد الشوبكي    سلطة النقد: جهة مشبوهة تنفذ سطوا على أحد فروع البنوك في قطاع غزة    و3 إصابات بجروح خطيرة في قصف الاحتلال مركبة بمخيم طولكرم    الرئيس: حصول فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة سيسهم في بقاء الأمل بمستقبل أفضل لشعبنا والمنطقة    "استغلال الأطفال"... ظاهرة دخيلة على القيم الوطنية وجريمة يحاسب عليها القانون    "التربية": 12.799 طالبا استُشهدوا و490 مدرسة وجامعة تعرضت للقصف والتخريب منذ بداية العدوان    الاحتلال يشرع بهدم بركسات ومنشآت غرب سلفيت    الاحتلال يعتقل شابا ويحتجز ويحقق مع عشرات آخرين في بيت لحم    10 شهداء في استهداف شقة سكنية وسط غزة والاحتلال يواصل تصعيده على المستشفيات    استشهاد مواطن وإصابة ثلاثة آخرين خلال اقتحام الاحتلال مخيم بلاطة    الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد بالأغلبية قرارين لدعم "الأونروا" ووقف إطلاق النار في غزة    الاحتلال يعتقل 10 مواطنين من الضفة بينهم مصاب  

الاحتلال يعتقل 10 مواطنين من الضفة بينهم مصاب

الآن

حول مفهوم الأمن الفكري

أنور رجب
  
كغيره من المفاهيم ذات العلاقة بالعلوم الاجتماعية، أثار مفهوم الأمن الفكري حالة من الجدل منذ أن بدأ يأخذ مكانه من التداول نهاية العقد الفائت، سواء من ناحية المفهوم نفسه أو من حيث ظروف وملابسات ولادته أو الأهداف المنوط به تحقيقها، لا سيما وأنه برز في سياق ظاهرة الحرب على الإرهاب والتطرف المرتبطة بشكل أو بآخر بنهج جماعات إسلامية بعينها، عملت على تقديم صورة مرعبة ومشوهة عن الإسلام مغايرة تماماً لحقيقته وجوهره، وبعد أن أيقن الجميع أن مواجهة ظاهرة التطرف والانحراف الفكري المفضية إلى أعمال وأفعال إرهابية لا يمكن مواجهتها والحد منها والقضاء عليها من خلال الحل العسكري – الأمني فقط، ولعل تجربة الحرب على الإرهاب عام 2001 "والذي كانت تقوده القاعدة فترة التسعينيات من القرن الماضي" خير دليل على ذلك، إذ إنه وبالرغم من تمكن التحالف الدولي في حينه من تدمير 90% من المقدرات العسكرية والبشرية والمالية واللوجستية لتنظيم القاعدة والجماعات الإرهابية التي تدور في فلكها بعد هجمات 11 سبتمبر، الا ان الجماعات الإرهابية تمكنت من إعادة إنتاج نفسها من جديد بصورة أكثر وحشية وأوسع انتشاراً ممثلة بتنظيم داعش، ذلك لأن المواجهة ركزت في حينه على البعد العسكري – الأمني ومنحته الأولوية القصوى على حساب المواجهة الفكرية التي من شأنها دحض وتقويض خطاب الجماعات الإرهابية والأسس والمبادئ التي يقوم عليها. 
إن اعتراض البعض على المفهوم كونه يربط بين مفهومي الأمن والفكر على اعتبار أن الفكر يختلف عن الأمن في مكوناته وفي منطلقاته، وأن هذا الربط يتنافى مع حرية الرأي والتعبير وبوصفه شكلاً من أشكال الحجر الفكري، وتقييد للمساحة اللا محدودة التي من المفترض أن يتمتع بها الفكر والتفكير، خاصة أن مفهوم الأمن الشائع يقوم على أسس وضوابط ذات سقف ومعايير محددة، وبأدوات وأساليب وأهداف لا تنسجم في الغالب مع إطلاق العنان لعملية إنتاج الفكر والتعبير عنه، بيد أنه وبالرغم من بعض الوجاهة في هذا القول، خاصة من ناحية استثمار هذا المفهوم في أجندات وسياسات تتجاوز الأهداف التي أُنشئ من أجلها، إلا أن التعمق في قراءة هذا المفهوم وتناوله في سياقاته المفترضة ومن كافة الجوانب ذات العلاقة بظروف وملابسات نشأته ومقاصده ودرجة أهميته وضرورته، قد يقود إلى رأي مغاير. 
في البدء لابد من القول أن مفهوم الأمن الفكري لا يمكن فصله أو التعامل معه بمعزل عن مفهوم الأمن الشامل، الذي هو منظومة أمنية متكاملة (اقتصادية وسياسية وعسكرية واجتماعية وثقافية وفكرية) لها تقاطعاتها ونقاط التقائها، ونُظمها المتشابكة التي تتصف بالترابط الكلي والاستقلال الجزئي، الأمر الذي يعني عدم صوابية اختزال مفهوم الأمن الشامل في أي منها، وهو بهذا التعريف يعبر عن التطورات التي حدثت على مفهوم الأمن وتجاوزت في مضامينها المفهوم التقليدي له والقاصر على توفير وحماية الأمن الوطني والإقليمي في إطار الحدود الجغرافية للدولة، وبفضله بات الأمن الوطني جزءا من منظومة الأمن الشامل. كما أن التطورات التكنولوجية وما صاحبها من ثورة في مجال الاتصالات والمعلومات، والتي بفضلها تحول العالم إلى قرية صغيرة، لم يعد بمقدور الموانع الطبيعية والاصطناعية أن تشكل عائقاً أمام الاتصال والتواصل وبث الأفكار الطيبة منها والخبيثة، وبالتالي انتشار الأفكار المنحرفة والمتطرفة، الأمر الذي وضع جميع دول العالم أمام تحديات كبيرة وعظيمة لم يكن ليواجهها من قبل، وبالتحديد في العالم العربي كونه شكل في مرحلة بعينها وفي ظل ظروف استثنائية حاضنة للتطرف الديني وأوجد بيئة خصبة لانطلاق الجماعات الإرهابية، التي عملت على تقويض أسس ودعائم استقرار بعض المجتمعات العربية وتدمير البعض الآخر.  
استندت الجماعات المتطرفة والإرهابية على شاكلة القاعدة وداعش على تسويق رؤية دينية لها جذورها في التاريخ الإسلامي من حيث التأصيل الفكري والمرجعيات الفقهية، ظهرت في ظروف تاريخية معقدة وملتبسة اختلط فيها الدين والسياسي بما يخدم أنظمة وفرق سياسية متناحرة ومتصارعة، كانت سبباً في إنتاج صورة مجتزئة ومبتورة للإسلام يغلب عليها التطرف وتكفير الآخر وإقصائه سواء كان من المسلمين أو أصحاب الديانات والأعراق الأخرى، والخطير في الأمر أن هذه الرؤية كانت ومازالت  تتمحور حول سياق واحد هو توظيف الدين في السياسة، وما يتطلبه ذلك من تقديم شروحات وتفسيرات للنص القرآني (على مقاسها) بعد أن تخرجه من سياقه الخاص والعام، وتعززه بأحاديث ضعيفة وغير مسندة منقولة على لسان النبي محمد "صلى الله عليه وسلم"، وبما تيسر من روايات ومواقف تخص عهد الصحابة والتابعين كثير منها مختلقة ومشكوك في صحتها، وهو ما أنتج صورة مشوهة عن الإسلام، تبنتها جماعات بعينها أصَلت وروَجت لها بعد أن قولبتها في إطار ديني منظم، تحول بفعل ظروف وسياقات تاريخية وسياسية واجتماعية إلى تيار واسع متعدد الأوجه والتسميات ومتباين في مرجعياته الفكرية وبالتالي في مستوى قربه أو بعده من دائرة التطرف، وهو ما بات يعرف بتيار الإسلام السياسي، الذي من عباءته خرجت الجماعات الإرهابية، وبدأت الأفكار المتطرفة تنتشر كما النار في الهشيم، بعد أن وجدت لها منافذ رحبة في أهم مفاصل الدولة ومنها التعليم والمؤسسة الدينية، وزادت الأمور تعقيداً وخطورة بتوظيف جماعات الإسلام السياسي من قبل العديد من الأنظمة في منطقتنا العربية، ثم جاءت الصحوة وان كانت متأخرة جداً وبعد أثمان باهظة تحملتها المجتمعات العربية، وظهر ما بات يعرف اليوم بـ "الإستراتيجية العربية للأمن الفكري" في محاولة من جامعة الدول العربية لمعالجة ما تراكم من كوارث وأزمات بسبب التطرف والإرهاب، من خلال الاهتمام بالبعد الفكري، من منطلق التعامل مع الأسباب لا النتائج فقط، خاصة وأن الانحراف الفكري الديني من أخطر أنواع الانحراف المهددة لأمن واستقرار المجتمعات. 
بالعودة لمفهوم الأمن الفكري، يمكن القول بان المقصود به هو إعادة الخطاب الديني إلى ما يسمى الوسطية والاعتدال، وتخليصه من التوجهات والطروحات المتطرفة التي تنامت وازدهرت في العقود الأخيرة، كما انه يقود إلى مواجهة الغزو الفكري والثقافي الذي يهدد البنية الثقافية والفكرية للمجتمعات العربية، ولكن دون إحداث قطيعة مع الأمم الأخرى، ومراعاة الاستفادة والانتفاع من تجاربها وما حققته من تقدم وازدهار، وبالتالي فان الأهداف المنوط تحقيقها من خلال هذا المفهوم هي أهداف مشروعة وأهداف أخلاقية ونبيلة بالدرجة الأولى، وهي محط إجماع عربي ودولي.
إن الغاية الأساسية التي يجب العمل عليها من خلال تطبيقات هذا المفهوم هي العمل بجدية على الفصل بين الديني والدنيوي، بمعنى فصل الدين عن السياسة، خاصة وان الخلط بينهما هو من قاد إلى ظهور هذه التوجهات والطروحات الفكرية المتطرفة، وذلك كمدخل لتنقية الفكر الإسلامي من كل ما علق به من شوائب التطرف، وهذا يحتاج إلى جهود تكاملية منظمة بين جميع الجهات ذات الصلة، التعليمية والدينية والشباب والمرأة ومؤسسات المجتمع المدني من اجل حماية الأجيال القادمة ومنحها مستقبلا مشرقاً. وبالرغم من أن الهدف الرئيسي لمفهوم الأمن الفكري هو محاربة التطرف والانحراف الفكري، إلا انه وفي سياقاته وارتباطاته وتقاطعاته مع مفهوم الأمن الشامل بات أبعد من ذلك بكثير، بحيث يمكن اعتباره مشروعا تنمويا وطنيا ذا بعد استراتيجي لتجديد الفكر وتقويمه، وبهذا فهو يحتاج إلى صياغة رؤية وطنية إستراتيجية شاملة تأخذ بعين الاعتبار أدق التفاصيل على المستوى الثقافي والحياة الاجتماعية، والتعامل مع مشروع تحقيق الأمن الفكري على أنه واجب وطني ومسؤولية تضامنية بين الدولة والمجتمع بجميع شرائحه ومؤسساته.
وللحديث بقية...

ha

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024