فلسطين في دبلوماسية المونديال
باسم برهوم
لم يسبق ان تحول مونديال كروي الى هذا الكم من العمل السياسي والدبلوماسي كما تحول مونديال روسيا هذه السنة. كثير من رؤساء العالم جاءوا محبين ومشجعين لمباريات كرة القدم، حتى أولئك الذين لا فرق لبلادهم في المونديال. مع هذا الكم من العمل السياسي، يحق لنا ان نستخدم مصطلح جديد في السياسة الدولية "دبلوماسية المونديال".
ما شهدناه من عمل سياسي ودبلوماسي مكثف ما هو الا دليل، على المكانة المهمة التي باتت تتمتع بها روسيا على الساحة الدولية، ودليل اعتراف بدروها البارز في الكثير من الازمات في العالم.
الرئيس بوتين المعروف بهدوئه ورباطة جأشه، اللذين ورثهما من جهاز المخابرات السوفياتية "KGB"، هو اليوم الأكثر قوة واستقرارا من بين زعماء العالم. من هنا فهو قادر على ادارة هذه الدبلوماسية ببرود اعصاب، وبما لديه من أوراق، ولكونه لا يخضع لأي ابتزاز، اما بفعل الازمات أو عامل الوقت، كما هو حال معظم زملاء العالم.
اوراق بوتين ليست محصورة بالأزمة السورية، التي اصبح يمسك بزمام الأمور فيها، ولكن هناك ورقة الملف النووي الايراني، وورقة دور ايران ونفوذها بالمنطقة، وهي ورقة مهمة في مجال المساومات، وهناك فرصة أكبر لبوتين مع ورقة القضية الفلسطينية بعد ان اخرجت واشنطن نفسها منها كوسيط، بعد اعلان الرئيس ترامب ان القدس عاصمة لإسرائيل.
أما اوراق بوتين من خارج الشرق الاوسط فتتعلق بالأزمة الاوكرانية، وجزيرة القرم، اضافة الى الاوراق التي تتجمع بين يديه بسبب الشرخ وعدم الثقة في العلاقة بين ادارة الرئيس ترامب وأوروبا، او بسبب الازمات التي تعصف بالاتحاد الاوروبي وتهدد بتفككه. معادلة الرئيس بوتين واضحة كل الوضوح، فكلما تعمق تفكك التحالف الغربي، ازدادت روسيا قوة واندفعت الى الامام واصبحت من اللاعبين الرئيسيين في العالم، هذه الحقيقة هي ما اثبتتها دبلوماسية المونديال.
على ايه حال، دعونا نرى في كل ذلك بما يتعلق بنا نحن الشعب الفلسطيني، فلسطين والقضية الفلسطينية كانت موجودة بقوة في دبلوماسية المونديال، وعلى عدة مستويات. المستوى الأول يظهر مع الرئيس محمود عباس، هذا الرئيس المخضرم الذي عايش كل التطورات على الساحتين الاقليمية والدولية منذ أن دخل معترك السياسة والنضال مع فتح في نهاية خمسينيات القرن الماضي. الرئيس ابو مازن الذي شارك في دبلوماسية المونديال، هو القادر على ادراك اهمية هذه المتغيرات في المنطقة والعالم وادراك ما بات لروسيا والرئيس بوتين من اهمية وبالتالي اختبار ما يمكن ان يفعل للقضية الفلسطينية.
اما المستوى الثاني فيتعلق بزيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو وحصته في دبلوماسية المونديال. اسرائيل بهذا الشأن باتت تدرك ان الجيش الاحمر الروسي يقف اليوم عند حدودها الشمالية، وبالتالي فإن روسيا قد تحولت مع هذا التطور الاستراتيجي الى احد الضامنين للأمن الاسرائيلي، وبما انها اصبحت كذلك، فهي بالتالي أحد اللاعبين البارزين بالشرق الاوسط الذين لا يمكن القفز عن دورهم. هذا المتغير النوعي علينا نحن الفلسطينيين ان نراه بدقة ونعرف كيف يمكن ان نستفيد منه، واعتقد ان الرئيس ابو مازن هو اكثر المدركين لأهمية هذا التغيير وكيفية الاستفادة منه، خصوصا انه حافظ طوال الوقت على علاقة خاصة مع بوتين وروسيا.
في الآونة الأخيرة، ومن موقع القوة، دعت موسكو الى إحياء اللجنة الرباعية الدولية في شأن الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، وربما لمجمل ازمات الشرق الاوسط. هذه اللجنة التي تضم كلا من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا الاتحادية والاتحاد الاوروبي والأمم المتحدة، كان دورها حتى الآن شكليا أقرب ما تكون الى شاهد زور على تفرد واشنطن في العملية السياسية.
دعوة موسكو هذه الى احياء اللجنة الرباعية واعطائها دورا حقيقيا وجديا تنسجم مع دعوات الرئيس ابو مازن، الذي طالما دعا الى وجود اطار دولي واسع للإشراف على عمليه التفاوض. الدعوة الروسية المشار اليها والحاجة الفلسطينية لمنع تفرد واشنطن بالتسوية تبدو اليوم فكرة اكثر منطقية وقابلة للتطبيق، عبر إدخال الصين ودول عربية اليها.
إن المونديال، وكما هو معروف قد انتهى، الا ان اثار دبلوماسية المونديال ستظهر مفاعيلها ربما بالمستقبل القريب، لننتظر ونرى.