صفقة القرن وقانون القومية لا يستحقان سوى الإسقاط الكامل
يحيى رباح
في مرحلة من أشد المراحل إعتاما وظلامية في تاريخ أميركا بوجود دونالد ترامب في البيت الأبيض متحالفا بجنون إلى حد الانكشاف المتهور مع اللوبيات الصهيونية، ومع حالات الاختراق والسقوط في العالم العربي، ومع وجود بنيامين نتنياهو في مقر رئيس الوزراء في تل أبيب لفترة تكاد تتعدى الفترة التي قضاها بن غوريون، وبائتلاف ليس فيه شخصية واحدة وازنة، وباندياح كامل ضد كل ما ادعته الحركة الصهيونية عن نفسها، وضد كل ما تشدقت به إسرائيل عن نفسها، فإن هذه المرحلة التي يمكن أن نسميها فترة ترامب - نتنياهو، لا نجد فيها سوى ارتفاع معدلات العدوان، والاستهتار الكامل بالمجتمع الدولي والقانون الدولي، وبالتجاهل الكامل للمجال الحيوي للدول الكبرى، سواء الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، أو الدول الوازنة في مصالحها أو تأثيرها.
ونستطيع أن نشير بأن هذا التحالف الأميركي الإسرائيلي الذي لا يعرف الكثيرون منه من الطرفين يستغل الآخر، تتوالى الخطوات المتعمدة السلبية ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه غير القابلة للتصرف، ومفردات قضيته المقدسة، أقدم وأهم قضايا العالم منذ النكبة قبل سبعين عاما وحتى الآن، وتتمركز الخطوات من قبل أميركا ترامب وإسرائيل نتنياهو حول وهم واحد مشترك وهو إنهاء القضية الفلسطينية، وإذابة ثوابتها، وتهشيم ركائزها، من خلال إعلانات وخطط عدوانية متلاحقة، تتكثف بشاعتها في صفقة القرن التي تحدث عنها بصخب ترامب لكنه عاجز عن إعلانها رسميا لأنه لم يجد إليها ولو منفذا واحدا حتى الآن، ولذلك فإنه يتعامل بها عن طريق التسريبات ومحاولات الاختراق، والسعي إلى هز الصفوف، والعقوبات الدراماتيكية التي تفقد أميركا سمعتها ومصداقيتها وتنتهي بالفشل.
أما على الصعيد الإسرائيلي، فالدولة من أولها لآخرها خادمة للاستيطان الذي هو غير شرعي ولن يكون، وتعبئة الشعب الإسرائيلي كله في سياقات عدوانية وعنصرية آخرها قانون القومية الذي أقره الكنيست.
منذ إعلان ترامب عن القدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارته كما لو أنها مجرد بؤرة استيطانية، تورط ترامب أكثر وأكثر ضد القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني بقطع المساعدات ومعاقبة الأونروا، وآخر ما وصل إليه الخيال الأميركي المريض، هو اختزال عدد اللاجئين من أكثر من خمسة ملايين لاجئ إلى أربعين ألفا فقط! نوع من الهستيريا ليس إلا على ماذا اعتمد هذا الرقم؟ فمراقبو الأمم المتحدة الذين شاركوا في القضية الفلسطينية منذ بدايتها الأولى يعرفون أن هذا الرقم ليس إلا شطحات جنون، والمؤرخون الإسرائيليون الجدد لهم كتابات ووثائق تكشف الأمر، والأونروا كمنظمة دولية مختصة برعاية هؤلاء اللاجئين لديها حقائق كاملة تدين هذا الرقم الذي يدل على الغباء الفعلي.
غير أن ورطة ترامب أعمق من ذلك، إنها ورطته كشخص يعاني من الخواء العقلي والثقافي والسياسي، إنه يواجه قيادة فلسطينية مسلحة بأصلب قواعد الشرعية وبأعلى درجات الوعي ومحاطة بسياج صلب وغير عادي بتوحد شعبها معها، وليس أمامها من بديل سوى إسقاط صفقة القرن، وإسقاط قانون القومية الذي لا يمكن التعامل معه إلا بالإسقاط الكامل خاصة أن كشف المستور وفضح الغش وأعلن العبثية.
أبواب النضال الفلسطيني مشرعة وعادلة ومحفزة في جو دولي ملائم، ولذلك يشيع ترامب أنه يريد حلفا جديدا في المنطقة، مع من، وضد من؟ لعلها فرصة أن تطرح الأسئلة بوضوح وشجاعة، لأن الأزمة التي يعانيها ترامب بغباء، والتي تتكوم أمام نتنياهو بمخاوف إضافية، لا يمكن السيطرة عليها بالأكاذيب والشائعات وصغار الساقطين.