العرب.. من الفجوة الى الهوة
باسم برهوم
لا اريد أن اتناول موضوع الساعة، والمقصود هنا صفقة حماس المنفردة مع دولة الاحتلال الاسرائيلي، وهي صفقة بدأت رائحتها تزكم الأنوف. حماس ومن خلال صفقة القرن، تحاول اعادة جماعة الاخوان المسلمين الى المشهد في الشرق الاوسط، المشهد الذي خسرته ابان "ثورات الربيع العربي"، فالصلح مع اسرائيل عبر حماس هو مدخل الجماعة لهذه العودة، أو هكذا اقنعتهم واشنطن ووكلاؤها بالمنطقة، لذلك تنخرط حماس بالصفقة.
ما اريد تناوله، هو السؤال الذي طرحه رواد النهضة العربية قبل اكثر من مئة عام: لماذا هم، أي الغرب، تقدموا ولماذا نحن تأخرنا؟ في حينه وبهدف النهوض بالأمة العربية، وضع هؤلاء الرواد اصبعهم على الفجوة الحضارية بين أمة عربية خرجت للتو من 400 سنة من الحكم العثماني المظلم، وبين الغرب الذي دخل في عصر الحداثة.
بعد مئة عام، وفي ظل التقهقر العربي الحالي، لا نستعيد السؤال ذاته لأن الامة العربية لم تفشل في جسر الفجوة الحضارية، ولكنها حولتها الى هوة عميقة. فالرواد لو عادوا الى الحياة ورأوا حال العرب لاختاروا البقاء امواتاً فمشروعهم النهضوي لم يكتب له النجاح وحسب، إنما وسع الواقع العربي الفجوة الى اعمق مدى. الهوة باتت في كل شيء، خصوصاً في كيف هم يفكرون وكيف نفكر نحن، فالفكر في نهاية المطاف هو نتاج الواقع.
هم، أي الغرب، يفكرون بمنطق العلم والحسابات الدقيقة، بمنطق المستقبل دائما، وفي ذلك يستخدمون كل ما طوروه من ادوات للسيطرة على المستقبل، فالحاضر هم اسياده. أما نحن أي العرب نفكر بمنطق الماضي، بل بالجزء الأكثر ظلامية منه والذي لا يمكن أن يأخذنا نحو المستقبل. باختصار نحن لا نعرف كيف نفكر لكي نخطط للمستقبل، قلة قليلة منا هم من استطاعوا منفردين تجاوز الهوة وأصبحوا يمتلكون منهجا للتفكير، ولذلك هم ابدعوا واصبحوا جزءا من العصر.
على اية حال فإن تشخيص المشكلة هو نصف علاجها، فالسؤال هنا كيف يمكن ان نفكر كما يفكرون لنصبح قادرين على السيطرة على مستقبلنا. المستقبل ليس فيه مستحيل غير قابل للتحقيق، العودة الى الماضي هي وحدها المستحيل، فمهما حاولنا استرجاع ماضينا فالحقيقة تقول انه ذهب وانتهى.
أمم كثيرة سألت نفسها السؤال ذاته واكتشفت السر والذي يكمن في إعادة بناء الانسان وعقله، بناءً ينسجم مع العصر، لذلك هم قرروا ان يعيدوا بناء العملية التعليمية من الحضانة الى الجامعة، والعملية هي مناهج وأساليب تعليم تنتج انسانا يمتلك منهجا منظما للتفكير، ويضبط حساباته بدقه. حتى الدول الافريقية التي كنا نعتقد أنها خلفنا هي اليوم تتقدم بوتائر سريعة في مختلف المجالات، فقد ادركت هذه القارة الغنية بالثروات ان الاستعمار لم يحولها فقط منجما له، وإنما عمل على استنزافها باستمرار بالحروب الأهلية والنزاعات الثنائية. افريقيا اليوم بدأت تفرض صحوتها وتضع نفسها على الخارطة العالمية، رواندا مثلا التي ابتليت بحرب اهلية فظيعة تسجل اليوم واحدة من أعلى مؤشرات النمو، والأمر ذاته بالنسبة الى موزمبيق واثيوبيا وارتيريا التي قررت جميعها ان تنحي نزاعاتها جانبا وتهتم بتنمية ذواتها.
لطالما قلنا إن الامة العربية تمتلك كل مقومات وأدوات النهوض، ولكن لماذا لا تنهض؟ من دون شك ان العرب كانوا مستهدفين أكثر من غيرهم كي يمنعوا من النهضة، فهذه الأمة ان نهضت ستكون منافسا حقيقيا، بما لديها من موقع وثروة. ولكن ما دمنا نفتقد للكيفية التي هم يفكرون بها ولا نملك ارادة القرار فإن النهضة بعيدة المنال، فكلمة السر للنهضة مرة أخرى هي التعليم.