مقايضة الخيانة بالمال!
موفق مطر
تدخل القيادة على رأس الشعب الفلسطيني بمرحلة اختبار تاريخي هو الأصعب منذ مئة عام، ولا مجال أمامنا الا التحدي والثبات والقبض على الجمر، والتحلي بالصبر، وإعادة رسم أولوياتنا السياسية والاقتصادية ومفاهيمنا الاجتماعية، والعمل على ابداع بدائل عملية خلاقة، مقنعة للجماهير، فاللحظة لا تحتمل التنظير والتفسير والسفسطة، أو تبوء مقاعد المناكفين، ففتح ثغرة في جدار قلعة الصمود الفلسطيني رسميا وشعبيا يعني الضلوع في جريمة الخيانة العظمى.
علينا استخراج خطط مشاركة الرأسمال الوطني الفلسطيني في الداخل وفي المهجر لتعويض الاموال الأميركية، والاثبات لهم ان رقبتنا الفلسطينية لا تنكسر لأنها تستند على اكتاف صلبة قوية شديدة المنعة قادرة على التحمل بلا حدود.
بإمكاننا إعادة جدولة ما لدينا من مال عام، وتخفيض النفقات، مقابل تأمين مستلزمات ومقومات الصمود، وكم سيكون عظيما تجسيد الإيثار، ففي هذه اللحظة التاريخية سنفجر ينابيع القيم الأخلاقية الانسانية والروحية والوطنية الناظمة لمنهج حيواتنا، حتى يتيقن المستبد في البيت الأبيض أننا شعب لا يعد ايامه السوداء بقدر افتقاده للخبز والماء، وإنما بقدر انكساره وانكفائه عن السير في درب الحرية وضعف ايمانه بناموس الفداء، وهذا لم يحدث يوما، ولن يحدث أبدا.
نعتقد أن القيادة الفلسطينية لا تحتاج لتقديم برهان لأحد بانعدام تأثير المال الأميركي على مواقفها وسياساتها وتمسكها بالثوابت الوطنية، أما اذا كانت الادارات الأميركية المتعاقبة تعتقد أن مالها كان ثمنا لسير قيادتنا في نهج السلام والتزامها بالاتفاقيات فهذا ظن المستبد الآثم، الذي يعتقد بإمكانية شراء الضمائر الانسانية بالمال، نحن براء منه لأننا كنا وما زلنا مسيطرين على مؤشراتنا في كل الاتجاهات وتحديدا تلك المصوبة نحو البيت الأبيض.
لم تتوقف الادارات الأميركية عن محاولات ابتزاز القيادة، وانتزاع مواقف منها وقرارات مخالفة لآمال الشعب الفلسطيني وأهدافه، لكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد بلغ أعلى نقطة ممكن أن نتخيلها في رسم بياني لمستويات الضغط الأميركي المتتابعة على قيادتنا الوطنية، ما يعني بالنسبة لنا إقرار بفشل سياسته معنا بتكريس مقايضة الخيانة بالمال.
قرارات ادارة ترامب بإيقاف الدعم عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) والغاء تقديم 200 مليون دولار لمشاريع في الضفة وقطاع غزة" وتحويلها الى مكان آخر"كما جاء في البيان الأميركي، انعكاس صحيح وطبيعي لعقلية الاستبداد والاستغلال المحركة (لمنظومة الرأسمال المتوحشة) التي يعتبر ترامب احد أهم رموزها في العالم، ان لم يكن رمزها الفريد والمتفرد!
ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة، فنحن بعد كل امتحان نخرج أقوى وأوعى، وباتت واضحة للعيان خطيئة الذين روجوا منذ اتفاق اوسلو مقولة سقوط حركة التحررالوطنية الفلسطينية في (جرن عسل) الأميركان، فقرارات ترامب المتعلقة بالقدس و"الاونروا" والغاء الاموال المقدمة للمشاريع الفلسطينية في الضفة وغزة المتزامنة مع قانون القومية الاسرائيلي، وقوانين الكنيست الاسرائيلي لقرصنة وسرقة اموال الضرائب الفلسطينية (المال العام الفلسطيني) ليست لإجبار قيادة الشعب الفلسطيني على قبول صفقة القرن، وارغامها على الخضوع، وإنما عقاب اميركي اسرائيلي مدعوم من (صغار) في الاقليم !.
يمر ترامب بمرحلة سقوط وقد تكون مروعة، لكن علينا التذكر دائما، أن هذا الرجل قد تألم من صفعة الرئيس ابو مازن له، كما تألم من صفعة الصين الاقتصادية، هذا ان لم تكن صفعة الرئيس أبو مازن أشد واقسى باعتبار الفارق الهائل – لا مجال للمقارنة - بين مقومات دولة كبرى عظمى كالصين الشعبية، وبين مقومات حركة تحرر وطني ودولة شعب مازال يناضل لإنجاز استقلاله والتحرر من الاحتلال والاستعمار العنصري الاسرائيلي.. فترامب عندما سمع عبارة: "يخرب بيتك" قد قطع الشك باليقين ان للفلسطينيين رئيسا وقائدا لا يبادل الحرية برغيف الخبز، فقرر ارجاع أمواله الى خزينته لينفقها على الذين يأتونه صاغرين !