إسرائيل اللاهثة!! وحماس المستعجلة
موفق مطر
"الولايات المتحدة تدفع لكم مبالغ طائلة من المال، الآن أنا أقول لكم: نحن لن ندفع أي مبلغ حتى توافقوا على عقد صفقة، إذا لم تقوموا بعقد صفقة، فإننا لن ندفع لكم". هذا نص كلام للرئيس الأميركي دونالد ترامب، وجه إلى القيادة الفلسطينية.
أما هذا الكلام فهو لعضو المكتب السياسي لجماعة حماس صلاح البردويل، فهو قد قال: "إن السلطة الفلسطينية مشاركة في (صفقة القرن) " !!!.
نعرف ان المسؤولين في الصف الأول من الجماعة يقرأون لكنهم لا يفقهون، فهم يطلعون على المنشور في وسائل إعلام اسرائيلية، ثم يسقطون عليه شذرات أحقادهم ويقرأون عليه تعاويذ المكائد، ثم يتخذونه مرجعا، ثم ينفخون عليه بأفواههم ليعموا بصيرة الباحثين عن الحقائق، لكنهم لم ولن يصبحوا على ما فعلوا نادمين.
يعلم دونالد ترامب الذي قرر اقتطاع حوالي 25 مليون دولار كانت مخصصة لمستشفيات أهلية فلسطينية في القدس المحتلة، من أين تحصل حماس على الأموال، ويعرف بالاسم الذين يحملونها إليهم، وبإمكانه رسم خريطة حركة الأموال من منبعها إلى مصبها، لكنه قرر اقتطاع هذا المبلغ وإلحاق الأذى والضرر بمرضى السرطان والعيون ايضا في الضفة الغربية وقطاع غزة، كمستشفيي "أوغوستا فيكتوريا" (المُطّلع)، وهو مستشفى كنسي عريق إلى جوار جبل المشارف، و"سانت جورج" (الفرنساوي)، الأمر الذي قد يؤدي الى انهيار قطاع المستشفيات في القدس الذي كان يتلقى المساعدات الأميركية منذ احتلال الجيش الاسرائيلي للمدينة في العام 1967.
ترامب الذي أقر أن تشديد الحصار المالي على الشعب الفلسطيني، والغاء مساهمة الولايات المتحدة بتمويل خدمات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وإخراج قضيتي القدس واللاجئين، هدفها الضغط على القيادة الفلسطينية حتى الرضوخ والقبول بمناقشة صفقة القرن.. فوجئ بموقف فلسطيني شجاع وصفعة، سياسية لم يتوقعها من رئيس الشعب الفلسطيني أبو مازن، حيث أعلن الرئيس وقف الاتصالات السياسية مع الادارة الأميركية، وانعدام صلاحيتها كشريك في عملية السلام، بحكم انحياز ادارة ترامب لدولة الاحتلال، وشراكتها مع اسرائيل في العدوان على الشعب الفلسطيني.
لكن عضو المكتب السياسي لجماعة حماس محمود الزهار لم يخف مسعى جماعته لاستغلال الفراغ الذي أحدثه الموقف الوطني الفلسطيني مع الادارة الأميركية ونظام الاحتلال والاستعمار العنصري في اسرائيل، عندما كشف عن محاولات حماس تقديم نفسها كبديل لمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، فماذا قال الزهار؟! وماذا قال البردويل وكيف كشف لسان الناطق باسم حماس فوزي برهوم عن نوايا جماعته ؟!
وسائل إعلام حليفة لجماعته نقلت نصوصا من مقابلة له قال فيها: "إسرائيل لهثت مع اشتداد المسيرات وراء تهدئة مع المقاومة، واستنجدت بعواصم أوروبية وعربية لوقف المسيرات". واضاف "كان الهدف من المباحثات أن نجد شيئاً على أرض الواقع، هكذا أبلغْنا الوسطاء لبحث التهدئة، لكن حتى اللحظة المشكلة قائمة ووعود الاحتلال لم تتحقق".
الزهار كشف عن مفاوضات أجراها قادة من حماس مع قادة دولة الاحتلال عبر وسطاء – لا يهم ان كانت بوساطة أو مباشرة – وبدا من حديثه عمق الثقة التي كانت قائمة بينهما، لكن من الواضح ايضا ان (قادة اسرائيل اللاهثين) لم يغيروا بعد قناعتهم وقواعد تعاملهم مع حماس التي تنص على أنها للاستخدام مرة واحدة فقط !!..لكنهم في كل مرة يضخمون فيها حماس وينفخون الروح فيها يحصلون على أهم ما يريدون وهو ضمان منع انتصار الفلسطينيين لمشروعهم الوطني، وإجهاض قيام دولة فلسطينية في الضفة وغزة وعاصمتها القدس.
أما البردويل فلم ينس تطمين (اسرائيل الزهار اللاهثة) بقوله امس الأول: "إن الشعب الفلسطيني من خلال استطلاعات رأي محايدة يريد فض ووقف الاشتباك مقابل فك الحصار".. فالبردويل يبعث برسالة واضحة لمن يعنيه الأمر بتوجه حماس نحو تشبيك المصالح الأمنية مع اسرائيل مقابل فك الحصار، وهذا إقرار من متحدث باسم جماعة حماس بأن دولة الاحتلال اسرائيل هي من تحاصر قطاع غزة، وان اي قول آخر أواتهامات للسلطة الوطنية أو لمصر بهذا الشأن تتخذه دولة الاحتلال كدليل على براءتها من جريمة الحصار.
أما فوزي برهوم فيتساوق مع موضوع فض الاشتباك، والمفاوضات مع الاحتلال ويذهب الى المقصد مباشرة، فيتحدث عن استعداد (حماس المستعجلة) لاغتصاب تمثيل الشعب الفلسطيني الممنوح اصلا وحصرا لمنظمة التحرير الفلسطينية قبل استكمال خطط وعملية استنهاضها، فيقول: "إن مشاركة الجماهير تحمل رسالة تأكيد أن الشعب لا يمثله إلا من يحميه بالسلاح"..وكأن سلاح حماس منع قناصة الاحتلال من قتل 175 مواطنا وجرح اكثر من خمسة عشر آخرين، المئات منهم باتوا يمشون على عكازات بلا أطراف سفلية، هذا منذ شهر اذار الماضي فقط، أما اذا تحدثنا عن قوائم الشهداء والجرحى والدمار منذ انقلاب حماس في العام 2007 والحروب العدوانية التي استدرجتها على قطاع غزة في 2008 و2012 و2014 سندرك حجم الفائدة التي تجنيها دولة الاحتلال من استمرار سلطة حماس على قطاع غزة، لأنها السبيل الأسهل لتدمير مقدرات عظيمة وهامة من مقدرات الشعب الفلسطيني موجودة اصلا في القطاع، والتي لو وظفت في سياق برنامج وطني شامل لأحدثت فرقا في معركة الصمود والمقاومة الشعبية السلمية والدبلوماسية والسياسية، وكذلك معركة البناء اللازمة حتما للصمود... فالصراع مع المشروع الاستعماري الاحلالي العنصري يحتاج الى ذكاء، وحكمة وعقول مبدعة، متحررة، وانتماء وطني خالص، لامع ومشع كالماس، وهذا ليس متوفرا حتى الآن لدى جماعة حماس.