الضحية لا تشيطن جلادها فهو جلاد أصلاً
باسم برهوم
استوقفني تصريح جارد كوشنير، صهر الرئيس الأميركي ترامب، وأحد مستشاريه وتحديداً لشؤون الشرق الاوسط والصراع الفلسطيني الاسرائيلي. يقول كوشنير في تصريح لصحيفة "نيويورك تايمز"، ان القيادة الفلسطينية مسؤولة عن "شيطنة الادارة الأميركية الحالية"، ادارة ترامب، لذلك هي تستحق العقاب وقطع المساعدات، مؤكداً ان هذه العقوبات ستزيد من فرص السلام لا العكس.
بالتأكيد، ان كوشنير يعلم تماماً ان القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني ليس هم من شيطنوا ادارة ترامب، فغضبه هنا ينبع اساساً من ان هذه القيادة رفضت صفقة القرن، وهي تقف حجر عثرة كبير امام محاولات تمريرها ليس على نطاق الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، وإنما على نطاق استراتيجية ادارة ترامب لمستقبل الشرق الاوسط الذي ستكون فيه إسرائيل وحدها. الشعب الفلسطيني وقيادته لم يبادروا الى شيطنة هذه الإدارة وهم لم يشيطنوها بالفعل بل هي من شيطنت نفسها في الداخل الأميركي وعلى امتداد الساحة الدولية، والدليل ان آخر استطلاع للراي الأميركي اظهر ان اكثر من 60 بالمئة من الأميركيين يرون ان سياسة ترامب خاطئة ويميلون الى فكرة عزله... فهل يعني ذلك ان الشعب الأميركي يشيطن ادارته؟
اذكر في هذا المجال اغلفة مجلة "دير شبيغل" الالمانية بعد فوز ترامب في الانتخابات الأميركية في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2016، الغلاف الأول صور ترامب وهو يلتهم الكرة الأرضية. وقال مقال في المجلة ان ترامب يريد ابتلاع العالم، اما الغلاف الثاني فقد صوره وهو يقطع بالسيف رأس تمثال الحرية على ساحل مدينة نيويورك وكتب في اسفل الغلاف "أميركا اولاً". اذكر ايضاً ان العالم كله قابل فوز ترامب بالقلق والخوف، بسبب مواقفه من اتفاقية المناخ واتفاقية التجارة الحرة، فالعالم كان ولا يزال قلقاً من حالة الفوضى التي تسود الساحة الدولية بسبب سياسات ترامب وادارته المغامرة والمتهورة.
خلال موجة الخوف والقلق هذه والتي نلاحظ ازديادها يوماً بعد يوم، كانت القيادة الفلسطينية متأنية وتتصرف بمسؤولية وتقول دعونا ننتظر ونرى فنحن لا نحاكم الرؤساء الأميركيين بما يصرحون به خلال حملاتهم الانتخابية وإنما نحكم على مواقفهم عندما يصبحون في البيت الابيض. وبالفعل تصرفت القيادة على هذا النحو وتعاملت بإيجابية مع هذه الادارة وشارك الرئيس محمود عباس في مؤتمر الرياض الذي عقد في ربيع عام 2017 ضد الارهاب، وتماشيا مع كل المبادرات التي قد تعيد الحياة لعملية السلام.
الشعب الفلسطيني وقيادته لم يتخذوا أي موقف سلبي من ادارة ترامب الا عندما بدأت هذه الادارة تدوس بقراراتها على حقوق الشعب الفلسطيني الأساسية المشروعة، وعندما بدت مصرة ومتعجلة لتصفية القضية الفلسطينية حتى قبل ان تطرح رسمياً ادارة ترامب صفقة القرن.. هل كان على القيادة الفلسطينية ان تصمت وسكين ترامب تقص من جسد الشعب الفلسطيني ومن قضيته وحقوقه الوطنية؟ ان كل ما قامت به القيادة هو انها اعلنت وبشكل واضح رفضها لمحاولات التصفية السياسية والحقوقية للشعب الفلسطيني ووجوده على ارض الوطن. وهنا نتساءل من الذي شيطن نفسه الجلاد ام الضحية؟
لو سألنا معظم سكان الكرة الارضية اليوم، او اجرينا استطلاعاً على مستوى العالم لاكتشفنا والكلام موجه لكوشنير ان غالبية البشرية كما هي غالبية الشعب الأميركي غير راضية عن ادارة ترامب وسياساتها ليس فقط تجاه الشعب الفلسطيني وانما ضد كل دول العالم وشعوبها. فالشعب الفلسطيني المذبوح على مدار 100 عام واكثر، بالتأكيد لن يرضخ ولن يقبل بمصادرة حقوقه الوطنية الاساسية في القدس والعودة وحق تقرير المصير على ارضه التاريخية، وهنا نسأل كيف يمكن للضحية ان تشيطن جلادها، وهو بالأصل جلاد؟