الفصل بالمقاصة والإعدام بالعنصرية
موفق مطر
قد تنفذ حكومة نظام الابرتهايد في تل ابيب تهديدها بتسليم حماس ما ستقتطعه من المقاصة وأموال الضرائب الفلسطينية .. ما يعني الجهر بالشراكة بين جماعة الاخوان المسلمين فرع فلسطين (حماس) وحكومة الاحتلال الاسرائيلي في السطو على المال العام الفلسطيني بعد شراكتهما الاولى التي ظنوا بإمكانهم الابقاء على سريتها الى لحظة انكسار المشروع الوطني الفلسطيني وانهيار اركانه بالكامل.
الاحتمال سيصبح حقيقة، وسابقة في الخيانة لم تحدث في تاريخ حركات التحرر في العالم، خاصة اذا اخذنا بعين الاعتبار خطوات (بناء الثقة) المتسارعة التي كشف عنها القيادي في حماس احمد يوسف ، وإجراءات الانقلابيين العملية لإفراغ مسيرات العودة من مضمونها نهائيا، وتشويه المعنى الحقيقي للنضال الوطني، والمقاومة الشعبية السلمية، بعد تشويههم المعاني النبيلة للعقيدة الاسلامية، ومعنى الجهاد وحرفه عن جوهر مقاصده، وتحويله الى مجرد عصبوية دموية لتحقيق أهداف مادية دنيوية سلطوية، لا صلة لها بمعاني الصبر والتسلح بالعلم والمعرفة والعمل لبلوغ المستوى المأمول من الرقي.
حماس ستقبض من اسرائيل أموال الشعب الفلسطيني المقرصنة (المسروقة) رغم علمها ومعرفتها المسبقة بموقف الجماهير الرافض لموضوع المنحة القطرية عبر الحكومة الاسرائيلية، فكيف ونحن نتحدث عن أموال فلسطينية ستحولها مخابرات جيش الاحتلال وسلطات حكومة نتنياهو الأمنية الى (سلطة الانقلابيين) جماعة الاخوان المسلمين في غزة.
انه الفصل بالمقاصة بعد الفصل الجغرافي والسكاني والسياسي، والمشروع الوطني الفلسطيني بدا بالنسبة لهم كالذهب كلما طرقوه تمدد وازداد لمعانا، ولم يعد لديهم الا تكريس الانفصال، بعد عقد ونيف على انقلاب حماس استطاعت خلاله تشكيل واقع يعتقد الشريكان (حماس واسرائيل) انه البيئة المناسبة لتمرير صفقة العصر، وتتويجها بانفصال فلسطيني تؤمن حياته عبر ضخ المال المسروق من الشعب الفلسطيني في شرايين منظومة الانقلابيين في قطاع غزة ..أما المال السياسي الذي كانت تضخه دول في الاقليم وقيادة جماعة الاخوان المسلمين الدولية سرا ولكن تحت سمع وبصر الشريك الاسرائيلي صاحب المصلحة الأولى والأخيرة في انقلاب حماس وفصل قطاع غزة، فهذا ستبقى حنفياته مفتوحة، وكل ذلك لإعدام فكرة التحرر والاستقلال عند الفلسطينيين وتبديد معالم المشروع الوطني الفلسطيني في ذاكرتهم الآنية والمستقبلية.
عملية بناء الثقة بين (المجاهدين الاسلامويين الحمساويين) وبين حكام الدولة اليهودية (اسرائيل) - كما كان يحلو لمشايخ حماس وقادتها تسميتها – تتزامن مع دفع حكومة نتنياهو نحو نظم قانون لإعدام الأسرى الفلسطينيين، كآخر مخرج افرزته العقلية العنصرية الناظمة لعمل حكومة المستوطنين في اسرائيل، فتكتمل بذلك علامات الدولة المارقة والمتمردة على القانون الدولي ومنظومة القيم الاخلاقية الانسانية.
يعلم الاسرائيلييون ان الحرية هي هدف المناضل الفلسطيني، وانهم بإقرار قانون الاعدام لا يضيفون جديدا الى منهجهم وسلوكهم الفعلي الذي نعرفه من خلال جرائم المنظمات الصهيونية المسلحة التي تشكلت قبل انشاء دولة الاحتلال اسرائيل، التي استمرت على منهج الاعدام المنظم والممنهج ولكن ليس بالشكل والمضمون المعروف في دول العالم، فجريمة الحرب المنظمة، والجريمة ضد الانسانية كانت ومازالت العلامة الفارقة لإسرائيل التي اشبعت العالم ضجيجا بدعايتها والادعاء بأنها واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط .. فالديمقراطية والاعدام ضدان لاينسجمان أبدا، لكنما في أعلى مستويات التفاعل والتناغم والانسجام في دولة افرزت (قانون قومية) يعتبر كارثة وبمثابة قصف بالسلاح النووي للفكر الانساني السياسي المعاصر.
ويعلم المحتلون وعلى رأسهم نتنياهو ان المناضل الفلسطيني الذي قصد درب الحرية وجعلها هدفه، يدرك جيدا وهو يمضي عاشقا لمبدأ الحياة بحرية وكرامة وعزة وسلام لا يهاب الموت أبداَ، وأنه لا يخشى الموت إلا المجرمون .. أما عن جريمة اسرائيل بحق القانون الدولي فيما لو اقرت قانونا لإعدام الأسرى، فانها قد خرقته مئات المرات عندما اعدمت اطفالا وشبابا وفتيات على الحواجز لمجرد الشبهة، وكل جريمة من هذه الجرائم تتطلب تفرغ محكمة الجنايات الدولية لمحاكمة مجرمي الحرب في اسرائيل. فالعنصرية في الحكم هي القاعدة، أما الديمقراطية فاستثناء للمظهر فقط .