بيرزيت الجامعة .. منهج الحياة الديمقراطية
موفق مطر
الآن بعد انتهاء الاحتفالات بالفوز، وبعد فيضان مبررات الخسارة يمكننا الحديث عن انتخاب مجلس طلبة جامعة بيرزيت الذي يبعث في كل عام في مثل هذا الوقت أسئلة اهمها ماذا يحدث، واي عبرة يجب استخلاصها؟!.
ككل المجتمعات الانسانية تضج حياة الشباب بالحيوية، وأما ونحن نتحدث عن شباب جامعيين فيعني اننا نتحدث عن قدرات لا محدودة لجيل يعتقد انه قادر على تدوير عجلة الزمن لصالحه، جيل لا يعترف بعوامل الظروف والواقعية، لا يحكمه إلا منطق الشباب وهذا ليس عيبا، وإنما حقائق مادية علمية يجب ألا تغيب عن بالنا، وهي بالمحصلة قوة دافعة لمسيرة المجتمعات في مسار التقدم والتحرر والبناء والتطور إذا ما تم الاعتناء بتوجيهها، ولكن ليس إلى حد السيطرة المطلقة عليها وتوظيفها وتسخيرها، فطاقة الشباب قد تنفجر في وجوهنا إن وضعناها في ضوابط لا تتلاءم مع رؤاهم، أو أنها قد تنعكس عليهم سلبيا إن اكتشفوا زيف مقولات وأفكار ونظريات وتعاميم قادتهم.
لا توصف حياة مجتمع بالديمقراطية إن لم يأت كل يوم بأفكار خلاقة لحل مشاكله ومعالجة قضاياه، ولا يعتبر المجتمع متحررا وحرا ما لم يلتزم بتطبيق وتنفيذ مبدأ التعايش مع الأفكار والنظريات السياسية أو المعتقدات ما دامت منسجمة مع قانون السلم الأهلي، وخالية من مصطلحات التخوين والتكفير والتمييز بكل انواعه.
مناظرات الكتل الطلابية وانتخاب مجلس الطلبة في جامعة بيرزيت - بشكل عام دون الدخول في بعض التفاصيل- كانت انعكاسا طبيعيا للصورة الايجابية التي نريدها لحياتنا الديمقراطية الآنية والمستقبلية..صورة تعزز ثقتنا بقدرة الأجيال المتتابعة على رسم مخططات مستقبلها بما ينسجم مع المتغيرات في العالم.
انتخابات طلبة جامعة بيرزيت كانت برهانا ساطعا على أننا نريد صورة ثلاثية الأبعاد لحياتنا الديمقراطية، العقل بلا حدود هو بعدها الأول، والعمل بمسؤولية وأمانة، أما البعد الثالث فهو الوطن بكل ما تعنيه الكلمة من انتماء والتزام ووفاء وتضحية وعطاء، فنحن نؤمن بأن الوطن للجميع، وان العمل من أجله لن يستقيم دون فكر وطني وإنساني متحرر من النزعات الذاتية والفئوية.
يهمنا انكسار وكسر قيود كبلت بها عقول شريحة مهمة من شباب فلسطين، ويجب العمل على مساعدتهم لتحريرهم من منظومة مشايخ (جماعة الاخوان المسلمين) الذين اخضعوهم لتطبيقات التبعية والتسليم، وأوصدوا بصيرة كل شاب انتمى إلى جماعتهم بأقفال (الحرام والكفر والخيانة)، ولن نقدر على تحريرهم الا بدمجهم في تجاربنا الديمقراطية ، وفتح محافل الحوار معهم ليتبينوا الفارق الهائل بين منظومة مشايخهم التي تريدهم مجرد أدوات وأعداد لا أكثر في خدمة مشاريع وأجندات ليست ذات صلة بالوطن، وبين من يريدهم أن يكونوا شركاء في الوطن، يفتحون عيونهم، ويقرأون أحداثه ببصيرتهم، فنحن نريد ذاكرتهم كجزء من الذاكرة الوطنية الجامعة، وليس كما يريدها مشايخهم مجرد (شريحة) لمنافعهم وحساباتهم في حواسيبهم قابلة للتخزين والتفريغ دون نقاش أو سؤال !!.
انتخابات جامعة بيرزيت أثبتت صحة وصواب منهج الحياة القائل: "عامل الناس كما تحب أن يعاملوك به" فالشباب المؤمنون بالديمقراطية كمنهج للحياة المعاصرة لن تصيبهم عدوى الدكتاتورية والظلامية واحتكارالسلطة والقمع والتنكيل وحتى القتل كما فعلت وتفعل حماس في غزة، حتى ولو كانوا متضررين ممن يمارسها كمنهج حياة، ذلك أن خير مقاومة لهذا المنهج المدمر، هو إحياء منهج الديمقراطية والحرية في الاختيار وتداول السلطة سلميا بالارادة الحرة المعبر عنها بالانتخابات، وتكريس لغة الحوار بين أبناء الوطن الواحد ..فالأصل ان يعمل المرء وفق ايمانه بالمنهج الذي يعتقد انه الاصوب والأسلم، وبذلك يجسد مدرسة المستقبل التي ستبقى مفتوحة على آفاق الانسانية مادامت تعتمد منهج الديمقراطية والامتحانات والتجارب العملية سبيلا لمن اراد نيل شهادات النجاح.