الدبلوماسية الرقمية الفلسطينية.. ما بين التبلور والهجوم الاميركي
عمار جمهور
بعد مضي قرابة العام على تناول مفهوم الدبلوماسية الرقمية نظريا وعمليا على الساحة الفلسطينية، بدأت نواة الدبلوماسية الرقمية بالتبلور والتشكل كفعل سياسي ودبلوماسي "مضمونا"، والمعتمدة على الاعلام الرقمي "شكلا واداة" لنقل الرواية السياسية والاعلامية الفلسطينية. وفي هذا المقال سيتم التطرق الى الجهود الفلسطينية في هذا الحقل المعرفي الحديث على الصعيدين المؤسساتي "الرسمي" والفردي "غير الرسمي" على حد سواء. والتركيز على "دبلوماسية تويتر"، التي تنتهجها الادارة الأميركية في مقارعة الدبلوماسية الرقمية الفلسطينية.
فعلى الصعيد المؤسساتي بدأت وزارة الخارجية والمغتربين بانتهاج استراتيجية وسائل التواصل الاجتماعي خاصة "فيسبوك"، إذ طورت الصفحة الرسمية للوزارة على "الفيسبوك" باللغة العربية وبدأت بتحديثها وتغذيتها بالمواد الاعلامية كالبيانات الصحفية التقليدية وبعض الفيديوهات ومواد الفيديوجرافيك- القليلة نسبيا مع ما هو مطلوب-، والتي تتضمن ابرز نشاطاتها وفعالياتها ومواقفها السياسية، ليصل عدد المعجبين بالصفحة الى قرابة الـ 22 الف اعجاب حتى بداية هذا الشهر من العام 2019.
واسست الوزارة صفحة اخرى باللغة الانجليزية تحت مسمى الدبلوماسية العامة الفلسطينية ذات محتوى اعمق واكثر تركيزا معتمدة على تقديم مواضيع تتمحور حول مضامين القوة الناعمة الفلسطينية في مجالات مختلفة من الدبلوماسية العامة بما فيها الثقافية والفنية والسياحية وغيرها، معتمدة الى حد ما على نشاطات السفارات الفلسطينية في عدد من الدول الاوروبية لا سيما في "بريطانيا وبولندا"، وقد وصل عدد المعجبين بالصفحة الى قرابة الـ 900 اعجاب، ما يستدعي بالضرورة المضي قدما بهذا الجهد الهادف والمقصود لتحقيق المبتغى منه، وبما يؤثر ايجابا في نقل الحقائق والمعاناة الفلسطينية للعالم.
وبالتزامن مع تشكيل الحكومة الـ 18 برئاسة د. محمد اشتية استمرت الجهود في المواكبة على ما هو قائم، وخاصة النشر على صفحة "الفيسبوك" المعنونة بـ "مكتب رئيس الوزراء- دولة فلسطين"، والتي وصل عدد المعجبين بها الى حوالي 161467 اعجابا. ومن ابرز ما يميز مضمون هذه الصفحة، بث تسجيلات مرئية للمتحدث باسم الحكومة باللغة الانجليزية احمد الشامي، يستعرض فيها نتائج ومجريات اجتماعات مجلس الوزراء. واستمر العمل على صفحة رئاسة الوزراء على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" باللغة الانجليزية.
وفي تقرير صحفي نشرته صحيفة "النيويورك تايمز" الاميركية، بتاريخ 07/03/2019، استعرض رسائل هجوم غرينبلات عبر "التويتر" على قيادات فلسطينية وخاصة امين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية د. صائب عريقات، متهما عريقات بانه يسعى لتشويه ما يعرف بصفقة القرن، بالاضافة الى انتقاد غرينبلات لمواقف سياسية عبرت عنها عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة حنان عشراوي.
يبدو واضحا وجليا ان غرينبلات كممثل للادارة الاميركية يسعى الى احداث اختراقات سياسية داخل المجتمع الفلسطيني، لمحاولة تجميل السياسية الاميركية تجاه القضية الفلسطينية والمتمثلة بما بات يعرف بصفقة القرن، التي لا ترتقي الى طموح وتطلعات الشعب الفلسطيني السياسية والوطنية، ومن الصعب ان تجد مساعيه قبولا شعبيا مخالفا للمواقف الرسمية للقيادة الفلسطينية.
الاستراتيجية التي ينتهجها غرينبلات والمتمثلة بـ"دبلوماسية تويتر" لن تفلح، لجر القيادات الفلسطينية الى الجانب الذي يطمح اليه، او الشعب الفلسطيني بشكل عام، لان مضمون رسائلها ينافي الحلم والامل الفلسطيني بتحرير دولة فلسطين- القائمة بفعل الحق الطبيعي والانساني والقانوني- والمحتلة من قبل إسرائيل. وسياسة الحوافز الاقتصادية او ما يعرف بالسلام الاقتصادي تأتي من منبع واحد وهو رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يواجه تناقضا سياسيا وفكريا بشأن ذلك، جراء رفض السلطة الوطنية الفلسطينية استلام عائدات الضرائب منقوصة، بحجة اعالة عائلات الشهداء والاسرى وتوفير احتياجاتهم المعيشية الاساسية.
وفيما يتعلق بتجربة الفريق الفلسطيني "اهبد 194"، فممارستهم في تمتين الرواية الاعلامية الفلسطينية مهمة وشكلت اثرا ملحوظا في الصراع الاعلامي، ولا سيما في التصدي للرواية الاسرائيلية بشأن الحرب على قطاع غزة، ومقارعتها، ومحاولة تجنيد الرأي العام لصالح القضية الفلسطينية، حيث تعمل "اهبد 194" على اكثر من محور وباكثر من اتجاه "داخليا، اقليميا، دوليا". ومن المهم ان يتم دعم هذا المبادرات من قبل الجهات الرسمية وتبنيها لتصبح مساندة للجهد الدبلوماسي الرقمي- متواضع الاداء-، وتعمل بناء على خطة ممهنجة وهادفة ومقصودة بالتنسيق والتشاور مع الجهات الرسمية، لا يعني أن مفهوم الدبلوماسية الرقمية مرتبط ارتبطا وثيقا بالفعل الدبلوماسي اولاً، وضرورة التفريق ما بين الدبلوماسية الرقمية والشعبية وخصوصية كل منهما.
الدبلوماسية الرقمية الفلسطينية متطلب اساسي لتمتين الرواية الفلسطينية وترويجها دولياً من قبل الدبلوماسين والسياسيين، واستهداف مكونات اساسية في بنية المجتمع الغربي ولا سيما الاميركي. والتصدي لمغالطات وتناقضات السياسية الاميركية ورواياتها المتناقضة فيما يتعلق بالشأن الفلسطيني خاصة، بالمواد الاعلامية والمعرفية المستندة إلى المعلومة والمعرفة والحقيقية، والتحضير لمرحلة ما بعد ترامب، وتركيز الجهود الدبلوماسية "التقليدية" و"الرقمية" حتى لا تصبح قراراته جزءا دائما من السياسة الخارجية للادارات الاميركية اللاحقة، وزيادة الوعي الشعبي الاميركي بشأن القضية الفلسطينية.