"الطابون الفلسطيني" في الوجبات الرمضانية
عُلا موقدي
في بلدة الزاوية، إلى الغرب من مدينة سلفيت، تستقبل المواطنة نوال عبد الكريم شقير (47 عاماً) قائمة من المأكولات (معظمها أكلات تراثية) من زبائنها في البلدة، من أجل طهيها في طابونها الخاص، في تقليد عاشه الريف الفلسطيني لعشرات السنوات قبل أن يتلاشى.
شقير، التي تدير آخر طابون في البلدة، تضع قائمة الطعام لليوم التالي، بعد أن تقوم بتجهيز مسلتزمات طابونها، من روث الحيوانات (التزبيل) وتنظيف حجارته من بقايا الوجبات السابقة، في عمل محبب إلى نفسها، كما أنه لا يخلو من التعب والجلوس مطولاً لمتابعة ومعاينة ما أدخلته للطابون.
يستعيد أهالي البلدة طعامهم ووجباتهم الرمضانية بنكهة الطابون الفلسطيني المميزة، بفضل تشبث شقير بطابونها الذي تعتبره جزءا مهما في حياتها ومصدراً لرزقها.
شغف شقير بإعداد الطعام والخبز في الطابون يعود لطفولتها، حتى إنها تتمسك بلباسها للثوب الفلسطيني المطرز، وحفظها للأغاني والأهازيج التراثية، وما تعلمته من والدتها التي امتهنت حرفة وصناعة صواني القش.
يثني الصائمون الذين يرسلون إلى شقير لتعد لهم وجبة الإفطار، على حُسن عملها واتقانه، والنكهة المميزة لما يتذوقونه من إعداد طابونها، كالدجاج المشوي وصواني اللحمة والكباب و"مثومة البندورة"، والبطاطا والخضراوات المشوية، بالإضافة إلى الخبز وأقراص الزعتر والسبانخ والجبنة.
شقير قالت لـ"وفا": المذاق يختلف عن أي مطبخ عادي أو مطعم مهما كانت درجة رقيّه، الأمر يعود إلى طبخها كما يقولون "على نار هادئة" ما يجعل جميع الوجبات تخرج من الطابون وهي في كامل نضجها "استوائها".
وأضافت: كما أن الطابون أوفر اقتصاديا، وتكاليفه تقل عن تكاليف الطهي على الغاز والأشكال الأخرى، والناس هنا تفضل ولو لمرة واحدة أن يكون افطارها من الطابون، وكان أهلنا في السابق يعتمدون بشكل كامل على الطابون في الطهي واستخدامه بشكل يومي.
يعد الطابون لونا من ألوان التراث الشعبي الفلسطيني عمره مئات السنين، يكاد يتلاشى نهائيا من الريف الفلسطيني، بسبب التحول إلى الحضر الذي تشهده القرى الفلسطينية والمجهود الذي يحتاجه، وكثافة دخانه، وظهور وسائل طهي أسرع وذات مجهود أقل، رغم أنه شكّل في السابق مصدر دخل لكثير من الأسر، خاصة تلك التي كانت تنتج الخبز والمناقيش والمعجنات بكميات كبيرة للمخابز والبيوت.
تعتمد صناعة الطابون على ما هو متواجد في الطبيعة الفلسطينية، شكله نصف كروي له فتحة في السقف ذات غطاء معدني له مقبض، يمكن رفعه لإدخال الرغيف باليد يوضع داخل حفرة داخل الارض بحجمه ، ويصنع من طين الحوَّر، ويوضع فيه الرضف "نوع من حصى الأودية"،.
وفي ظل ارتفاع الفجوة في نسبة المشاركة في قوة العمل والأجرة اليومية بين النساء والرجال، بلغت نسبة مشاركة الإناث في القوى العاملة 19.0% من مجمل الإناث في سن العمل في العام 2017 مقابل 10.3% في العام 2001، وبلغت نسبة مشاركة الذكور 71.2% للعام 2017.
ومع وجود فجوة في معدلات الأجرة اليومية بين الإناث والذكور، بلغ معدل الأجر اليومي للإناث 84.6 شيقل مقابل 119.6 شيقل للذكور للعام 2017، فيما ترأس النساء حوالي 10.6% من الاسر الفلسطينية بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، حيث أصبحت تحاول تطوير ذاتها اقتصادياً وتمكينها اجتماعياً، واستطاعت أن تنشئ مشاريع اقتصاديه من داخل المنزل.