نتنياهو بين نيران الحريدية وليبرمان
موفق مطر
سيتضح مصير بنيامين نتنياهو السياسي خلال بضعة ايام، إذ يقف في هذه اللحظات على مفترق طرق، لا يمكنه التراجع فهو إن لم يلب شروط افيغدور ليبرمان للانضمام للحكومة فلن يستطيع تشكيلها ضمن المدة القانونية التي ستنتهي خلال ايام، يعني اعادة الانتخابات، وان خضع لشروط افيغدور ليبرمان رئيس حزب (يسرائيل بيتنا) فان كتل اليمين الأخرى لن تبقى في ائتلاف نتنياهو، وبالتالي لن يتمكن نتنياهو من تجاوز رقم الستين نائبا اللازم في الكنيست لتمرير الثقة بحكومته.
ليبرمان اتهم نتنياهو بمحاولة تشكيل حكومة (شريعة يهودية) رأى في استجابة نتنياهو لمطالب احزاب دينية رافضة لمشروع التجنيد الذي تقدم به انصياعا، فيما مازال يشترط على نتنياهو اطلاق يده في حسم عسكري مع حماس في غزة، وعدم التدخل في صلاحياته، حيث منعته تدخلات الكابينيت الاسرائيلي عندما كان وزيرا للحرب في الحكومة السابقة من اخلاء قرية الخان الأحمر الفلسطينية شرقي القدس بسبب الانعكاسات الخطيرة التي تم ادراكها حال اقدمت دولة الاحتلال على اخلاء سكانها وتدميرها، وأهمها الموقف الرسمي والشعبي الفلسطيني القوي والصلب، المؤيد بردود فعل اوروبية قوية، الى جانب تحذير المحكمة الجنائية لحكومة نتنياهو بأن هدم الخان الأحمر سيكون بمثابة جريمة حرب. ستتم ملاحقة ومحاكمة المسؤولين عنها، أما تمرير قانون التجنيد بصيغته الحالية الذي ترفضه احزاب دينية- حزب شاس وحزب يهدوت هتوراه- فانه من الشروط الرئيسة لليبرمان الرافض لاعفاء اعضاء المدارس اليهودية (الحريديم) من التجنيد الاجباري.
قد يضطر نتنياهو الى زيادة عدد الوزراء من 21 الى حوالي 27 وزيرا وفي انباء اخرى الى حوالي 30 وزيرا في حكومته لارضاء الأحزاب الصغيرة التي يطالب كل منها بحصته من الوزراء، فيما تهدد كتلة ازرق ابيض البرلمانية برفع دعوى قضائية لدى النائب العام لمنع الزيادة، حتى ان الكتلة قد توجهت للنائب العام الاسرائيلي وترى:" أنه من غير المناسب ان تدفع حكومة انتقالية الى تعزيز "عملية تشريعية لا ضرورة بها والغرض الوحيد منها هو تعزيز مصلحة الحزب الضيقة". فحزب "يسرائيل بيتنا" و"كولانو" واتحاد الأحزاب اليمينية، يطالب كل منهم بحقيبتين وزارية، أما حزب "شاس" فيشترط الحصول على ثلاث حقائب وزارية، ومثله حزب "يهدوت هتوراه" الذي يطالب بتعيين نواب بصلاحيات وزير.
نتنياهو الذي الذي قد يفاجأ بفتح ملفات الفساد في أي لحظة، يسعى للهروب عبر تشكيل الحكومة حتى ولو اصوات ستين نائبا في الكنيست فقط، ما يجعلها كالسائر على حبل فوق دائرة نار، وهو بذات الوقت لايستطيع اغفال التكاليف الباهظة التي سيدفعها لارضاء الأحزاب والتي ستكون ثقلا كبيرا آخر ستضاف الى ملفات الفساد التي قد يصدمه بها القضاء، فميزانية مكتب الوزير ما بين 4.5 إلى 6.5 مليون شيكل سنويًا بينما تبلغ ميزانية مكتب نائب الوزير حوالي مليوني شيكل سنويًا.
"نتنياهو" الذي بدا مرتابا من ازمة اقتصادية قد تؤثر على ميزانية اسرائيل، بدأ باطلاق أوصاف وأحكام قاسية على الأحزاب المتعارضة في مطالبها بواقع 180 درجة، فوصف مطالبها ب"غير عقلانية وقال:" لقد أصبح ألأمر مستحيلا فمطالب الأحزاب وظيفية وكشف عن مدى ابتزاز أحزاب صغيرة فائزة بالانتخابات فقال:" لقد طلب حزب له 4 اعضاء في الكنيست وظيفة لكل عضو". فيما ذهبت عضو حزب الليكود نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي تسيبي حُتوفيلي الى اتهام افيغدور ليبرمان رئيس حزب "يسرائيل بيتنا" اليميني بالابتزاز".. الا اذا نجحت تدخلات ترامب في اخضاع ليبرمان، واقناعه بدخول تشكيلة حكومة نتنياهو، ودعمها في الكنيست نظرا لحاجة الادارة ألأميركية ورئيسها ترامب لوضع حكومي مستقر في تل ابيب لتتمكن من تمرير صفقة القرن.
هكذا تبدو دولة الاحتلال اسرائيل التي تنعت نفسها بواحة الديمقراطية في الشرق الأوسط، مجرد منظومة احزاب متصارعة، اشبه بمجموعات مافيات تبحث قياداتها عن مكاسب مادية ومالية وحزبية فئوية، على حساب الأمن والاستقرار والسلام في الشرق الأوسط والعالم فاتهام ليبرمان لنتنياهو بمحاولة تشكيل حكومة (شريعة يهودية) يشي بنمط التفكير السياسي المتحول في اسرائيل الى العصبية الدينية بقوة، ويكشف نية نظام تل أبيب تهيئة مجتمع دولة الاحتلال لمرحلة جديدة عنوانها الصراع الديني مع الشعب الفلسطيني بعد الانتهاء من مرحلة تحويل القضية الفلسطينية من قضية تحرر وحق تقرير المصير واستقلال وسيادة، الى مجرد مشكلة انسانية، وقضايا يمكن حلها بالمساعدات والأموال، مرحلة أخذت الادارة ألأميركية على عاتقها تمريرها عبر الدعوة لعقد ورشة عمل حول الأوضاع الاستثمارية والاقتصادية في المنطقة تحت عنوان "السلام من اجل الازدهار" الشهر المقبل لتمرير الحل الاقتصادي للقضية الفلسطينية باعتباره جوهر صفقة القرن الأميركية على حساب الحل السياسي الذي هو مطلب الشعب الفلسطيني المدعوم بالقانون الدولي والمركز على قرارات الشرعية الدولية.