يوم أسقط أبو مازن وعد ترامب الاستعماري
موفق مطر
من ذا الذي اقنع هذا المبتدئ في السياسة (كوشنير) وأوهمه بإمكانية انتزاع موافقة ما من قائد حركة التحرر الوطنية الفلسطينية ورئيس الشعب الفلسطيني محمود عباس تحت ضغط الحصار المالي، والتشهير السياسي، والتلويح بالبدائل العميلة، وإغراء المليارات؟!.
لم تصل الورشة الأميركية في المنامة إلى أكثر من مستوى تقرير، قدمه طالب جامعي في السنة الأولى، تقرير خلا من مقومات البحث والموضوعية والدراسة وحتى المنطق السياسي والاقتصادي رغم التضخيم المقصود والدعاية الممنهجة التي سبقت اطلاق اعمالها، حتى أن أي بحث سريع على كيفية تغطية وسائل الاعلام الدولية والعربية لأعمال كذبة العصر الاقتصادية الكوشنرية الأميركية سنستخلص منه نتيجة واحدة بجملة هي العنوان فقط (أبو مازن اسقط ترامب في البحرين).
لا يملك رئيس الشعب الفلسطيني حاملات طائرات ولا جيوشا في جهات الأرض ولا يملك خزائن ذهب وثروات ولا يسيطر على رصيد العالم من الدولار، لكنه يحمل في قلبه وعقله ارادة شعب عظيم، جاب بقاع الأرض وجهاتها من أجل تثبيت الحق التاريخي والطبيعي للشعب الذي حمله الأمانة في أرض وطنه فلسطين، وتمكينه من تحقيق وتطبيق قرارات الشرعية الدولية التي اجازت له حق انجاز استقلاله وقيام دولة ذات سيادة على حدود الرابع من حزيران من العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية كحل يوقف الصراع ويفتح آفاق السلام الذي سيؤدي الى الازدهار والاستقرار بالتوالي.
أسقط الشعب الفلسطيني بصرخته الوطنية الوحدوية المدوية صفقة القرن بالضربة القاضية، وأودعها غرفة الموت السريري، فلهذا الشعب رئيس حكيم شجاع، يمتلك تجربة كفاحية ونضالية عملية ونظرية، وصاحب رؤية انسانية في السياسة لا تقدر خزائن ادارة ترامب وخزائن نظام تل أبيب العنصري على استيعابها، فخزائنهم وعقولهم وأنماط تفكيرهم لا تستوعب إلا عناوين الحروب والغزوات والاحتلال والاستيطان والقتل والمجازر والإبادة.
هنا في فلسطين تجلى الايمان المتبادل بين الرئيس والشعب، بتفاعل الوعي الشعبي مع العقل السياسي المدبر، فالتجارب العملية اثبتت للقاصي والداني أن تحقيق الانجازات والانتصارات في المعارك السياسية والقانونية ارضية لا بد منها لخلق الشروط اللازمة لتجسيد أصلب موقف وطني، خاصة عندما يتعرض الوطن (الأرض والشعب والقضية) لأعنف وأشرس حملة استعمارية جديدة وغير مسبوقة، باتت اهدافها واضحة بدقة عالية، أدناها - كما يظنون - اخضاعنا وسحق كرامتنا الفردية والوطنية، وأعلاها سحق وجودنا كشعب واقتلاعنا من جذورنا، كما فعلوا مع الهنود الحمر!
سيعود كوشنير الى سيده في واشنطن دونالد ترامب بخفي حنين، حتى لو كان سعيدا بألبوم صور لقاءات الأحضان الدافئة والمصافحات الحارة التي حظي بها اسرائيليون من أفراد عرب، بدا أن بعضهم قد دخل بمنافسة حامية للفوز بميدالية التطبيع الذهبية!..فهؤلاء الذين خالفوا مبادئ وقوانين وقواعد أخلاقية وسياسية في بلادهم تعتبر التطبيع خيانة وجريمة ما كانوا إلا مجرد حالات فردية نبذتها الشعوب، ومثلهم شخصان أو ثلاثة تبرأت منهم عائلاتهم في فلسطين قبل ان يتبرأ منهم الشعب الفلسطيني واعتبرهم حالة شاذة تعيبهم وحدهم، بعد أن أدرجهم على لائحة العملاء السوداء.
اليوم انتصار جديد لإرادة الشعب الفلسطيني، وهزيمة للقوى الاستعمارية ومشاريعها وأولها المشروع الصهيوني الذي بدأ فعلا مرحلة التراجع، حتى لو اعتبروا ما تحقق في ورشة ترامب في البحرين غطسة الى عمق مفهوم التطبيع، ذلك أننا نعتمد على شعوب عربية من المحيط الى الخليج رافضة للتطبيع، ومثالنا الحي أن دولة الاحتلال اسرائيل لم تستطع تحقيق تطبيع مع شعوب دول عربية اقامت علاقات دبلوماسية معها بعد اتفاقيات ومعاهدات ... فالموقف العربي الشعبي والرسمي المعلن أن لا علاقة طبيعية إلا بعد انجاز الاستقلال الفلسطيني بدولة مستقلة ذات سيادة، وانجاز حل يرضى عنه الفلسطينيون فنحن اسياد انفسنا، وأصحاب قرار وطني مستقل، ولا نقبل املاءات من ترامب ولا من كوشنير فشعرة بيضاء في رأس رئيسنا أبو مازن أثمن من مليارات البيت الأبيض، فهذه ما كانت كذلك إلا لأن في بصلتها روح الوفاء والحب لفلسطين ولكل فرد من شعبها ولكل انسان احبها واحب الحرية وأراد السلام من اجلها.