عقب سيجارة
المقدم امجد فراحته*
ساعتان كانت تفصلني عن الاضطراب وعدم التوازن حتى لاحظتْ والدتي ذلك وهرعتْ بي الى المستشفى.
بدأ الطبيب يجس خافقي الصغير ويرصد نبضي المضطرب رغم عمري الذي لم يتجاوز السنوات العشر إلا أن براءتي وعدم إدراكي لما يحدث حولي بشكل كامل شعرت بأن مجهولاً حاول أن يغتال براءتي مستهترا بكل قوانين البشرية والعادات الإنسانية.
قبل دخولي للمستشفى كنت مع والدتي وأخي في زيارة لبيت جدي نلعب مع أقاربنا ونلهو بإدراكنا الصغير المتواضع وبعد فترة قررت والدتي أننا يجب ان نعود للبيت لإعداد الطعام لوالدي الذي يتعب كثيراً ويصل البيت في كثير من الأحيان مجهدا ليؤمن لنا حياة كريمة أنا وأخي ووالدتي وربما أخي أو أختي القادم في بطن أمي.
جلسنا في محطة انتظار على الرصيف ننتظر وصول اول سيارة عمومية تنقلنا الى بيتنا، في هذا الوقت نام في حضن والدتي أخي الذي اعياه اللعب وأخذ أخي الصغير مكانه في حضن والدتي بينما كنت انا بجانبهما أتأمل هذا الانتظار واحدق في السيارات والمارة.
في المحطة التقطت عقب سيجارة ملقاة على الأرض, حاولت أن أجرب طعمها ووضعتها في فمي محاولاً تقليد المدخنين، وما أن وضعت العقب في فمي واختلطت بقاياه بلعابي حتى انتبهت لي امي التي سارعت بإزالتها من فمي بعد برهة صغيرة ورميها بعيداً، ووبختني على ذلك.
عدت اتأمل المارة الغرباء في الشارع، انتظر وصول سيارة تقلنا لمنزلنا، وعند وصولنا للمنزل بدأت والدتي باعداد الطعام لوالدي حتى بدأت أفقد التواصل معها بصرياً، أشعر أني لست أنا الطفل الصغير الذي يملأ البيت لعبا ومشاكسةً، أشعر ان جسمي منهك وتفكيري رغم أنه محدود بعض الشيء إلا أنى أصبحت أفقد هذا المحدود تدريجياً ولم استطع فتح كتابي للاستعداد لامتحان الغد.
في المستشفى وأنا بين المدرك واللامدرك أتأمل خوف والدتي وقلق والدي الذي لحق بنا الى المستشفى كان الطبيب غير مصدق لما يحدثه به تشخيصه لحالتي وفجأة سألت والدتي الطبيب: (ابني مالو؟ شو في يا دكتور؟).
كان الطبيب يحدث والدي بعد إعادة الفحص السريري عدة مرات انني اعاني من اضطراب ناتج عن تناول مادة مخدرة؛ أنا اتناول مادة مخدرة كيف ذلك؟! أنا وبراءتي لم تعرف بعد أكثر من ابتسامة والدتي ومشاكسة أخي الصغير ولعبي مع أصدقائي لم يخطر في بالي ان عقب سيجارة سيفعل كل هذا بي.
قطع استرسالي بحالتي قول الطبيب لوالدي: يجب ان نبلغ الشرطة ولحين حضور الشرطة اود ان أسألكما بعض الأسئلة عن أدوية تستخدم في بيتكم؟ وكانت إجابة والدي بالنفي فلا يوجد في منزلنا غير ادوية الأطفال المحفوظة بعيداً عن متناول يدي أنا وأخي.
لحظة تذكرت والدتي أني تناولت عقب سيجارة قبل ساعتين ونحن كذلك حتى وصلنا شاب يلبس قميصاً سماويّ اللون وعلى كتفه 3 نجمات تستقر على كتفه بشكل متتابع جميل، وبدأ وزميله يتحدثان مع الطبيب ووالدي جانباً.
حسم الأمر الآن! تم فحص المادة في فمي ووجدوا بعد فحوصات عدة أني أدخلت مادة مخدرة لجسمي، ومن ثم بدأ العلاج في المستشفى لإزالة المادة السامة من جسمي وإعادة توازني وتهدئة اضطرابي، وتدريجيا بدأت أعود لنفسي شيئاً فشيئاً.
ما أن اعيد وعيي لي كاملاً، وأنا مستلقٍ على ظهري واحدق في سقف المستشفى وعيناي تجوبان سقفه في رحلة استطلاع، بدأت تساؤلاتي بعبور السقف وتخطت محيط المستشفى بمسافات بعيدة.
هل يعقل ان عقب سيجارة يحدث لي كل هذا؟ يا الله! كدت أفقد متعة اللعب في بيت جدي او مع أصدقائي او الوقوف صباحاً في طابور مدرستي انشد مع زملائي نشيد الوطن.
من وضع هذه المادة في طريقي؟ من استخدمها؟ ورماها بالقرب من جلوس المارة؟ لا قدر الله لو شل دماغي؟ ماذا لو فارقت الحياة؟ من يتحمل مسؤوليتي أهي والدتي أم والدي!!؟؟ أم القانون ورجال القانون!! أم هو ذلك المجتمع الكبير الواسع حولي؟؟ فالذي حصل معي ليس صدفة، هناك فاعل استهتر وخرب.
وهنا عادت ذاكرتي بكلمات ضابط الشرطة في الصف القريب من صفنا وأدركت صوته وهو يقول للطلاب لا تجربوا المخدرات ولا تحاولوا ذلك ولا تأخذوا أشياء غريبة لا تعرفونها.
ارجوكم أيها السادة انا طفل اليوم شاب الغد، باني الوطن، لا اريد ان أكون باحثا عن المخدرات في المستقبل؛ يا مجتمعي الكبير ارسم لي طريق البناء حتى أعيش انا واترابي واقراني وجيلي القادم بسلام نبني المصانع ونشيد العمران ونعالج الناس ونعلم الأجيال ونصنع الأمن ونحمي الناس!!!
ارجوكم اسمعوني جميعاً أنا مسؤوليتكم جميعاً جميعاً جميعاً.
* مدير فرع ادارة العلاقات والاعلام / شرطة نابلس