نتنياهو .. مؤشر دقيق على انفجار ذاتي
موفق مطر
" لماذا لم تبيدوا الفلسطينيين كما فعل أجداد ترامب بالهنود الحمر في اميركا "؟!
هذه الجملة هي ما بقي في جعبة خطاب نتنياهو العنصري، ليوبخ بها مؤسسي الحركة الصهيونية ودولة اسرائيل الناقصة وكل رؤساء حكوماتها السابقين ومخططي ومقرري استراتيجياتها القصيرة والبعيدة المدى على حد سواء ، ومن يدري فربما يخرجها لحظة النزع الأخير من حياته السياسية ، أو ربما يكتبها في كراس مذكراته في السجن .
لا غريب ولا جديد في تصريحات نتنياهو الأخيرة ، فكل ما نعرفه عن جوهر تفكير شخوص منظومة المشروع الاحتلالي الاستعماري الاستيطاني العنصري الاسرائيلي ، قد نطقه نتنياهو بكل وضوح وصراحة ماعدا اعتقادهم بفكرة ( ابادة الشعب الفلسطيني ) دون الافصاح عنها علنا كما يفعل المتطرفون العنصريون عادة ، لكنهم يحاولون تجسيدها عمليا بالمجازر والإرهاب والاحتلال والتهجير وتنفيذ مخططات الابعاد ، وكأنهم لم يقتنعوا بعد أن ابادة الشعب الفلسطيني أو طمس هويته الوطنية والثقافية العربية الانسانية واستلاب حقوقه السياسية مستحيل حتى لو أطبقوا السماء على الأرض .
لا يتخذ نتنياهو خطاب التهديد الوجودي لإسرائيل كسبيل للخروج من ازمته السياسية ، وانما بسبب تضخم غدة النزعة العنصرية المتأصلة لدى ساسة اسرائيل اليمينيين المتطرفين ، والتي مهما حاولوا سترها فإنها في نهاية المطاف لا بد أن تظهر كورم سرطاني ، حتى بتنا على قناعة أن داء العنصرية هذا موروث، ومتأصل في الخريطة الجينية للآدميين الذين لا يرون نموذجا للحياة إلا عبر الاحتلال والغزو وسفك الدماء واقتلاع المواطنين الأصليين من ارضهم التاريخية والطبيعية، لتسهيل الطريق أمام مشاريعهم الخدمية التي يقدمونها للقوى الاستعمارية الكبرى.
نتنياهو يتحدث عن تهديد وجودي لإسرائيل من جهة مليوني عربي فلسطيني بصفة خاصة في الأرض المحتلة منذ العام 1948 مازالوا يتوارثون ارضهم وبيوتهم التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم الممتدة جذور شجرتهم الى آلاف السنين في تربة الزمن والتاريخ والحضارة الانسانية ، ومن الشعب الفلسطيني كافة في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة واللاجئين الفلسطينيين رغم آماله المعلنة ببلوغ اسرائيل عمر مئة عام، واعتبار وصولها لهذا العمر انجازا تاريخيا، لكنه يفشي بتصريحاته دون قصد عن سر، وهو أن التهديد الوجودي موجود أصلا في نواة المشروع الصهيوني الاستيطاني العنصري، وان النمو الذي شهدته المنظومة الصهيونية ما هو إلا التضخم الطبيعي السابق للحظة الانفجار الذاتي .
قال نتنياهو موجها كلامه الى بيني غانتس رئيس تحالف "أزرق أبيض": ممنوع حتى ولو ليوم واحد أو لحظة واحدة إقامة حكومة أقلية متعلقة بدعم من مؤيدي الإرهاب" ثم كشف عن العقلية الدموية لجماعته والأحزاب المتحالف معها ووزراء حكومته الراغبين بسفك دماء الفلسطينيين ، وعن كيفية ارعاب الاسرائيليين اليهود وحشدهم تحت ضغط الخوف من اخطار وجودية فقال :" يوجد هنا هاتف أحمر، وهو يرن كل مساء. ويقولون لي يا رئيس الوزراء، نريد أن نقصف هنا، نريد أن نقصف هناك. وماذا تريدون أن أقول لهم؟ انتظروا قليلا! أريد أن أفحص الأمر مع أيمن عودة وأن أستشير أحمد الطيبي؟! .. هل يتخيل الأمر الذي سيضر بأمن الدولة ويؤدي إلى تهديد وجودي لإسرائيل ".
كلام نتنياهو العنصري الارهابي المترافق مع تهديد بالقتل لأعضاء في القائمة المشتركة في الكنيست الاسرائيلي ، موجه مباشرة نحو ايمن عودة واحمد الطيبي واحد عشر نائبا آخرين ، لكنه يقصد ارعاب الاسرائيليين وتخويفهم بمقولة التهديد الوجودي لأنه بات متيقنا ليس بنفاذ قدرة المشروع الصهيوني الذي رسم قبل حوالي مئة وخمسة وعشرين عاما على التقدم وحسب ، بل بدخوله العد العكسي للتراجع والانكسار والتلاشي فمشروعهم قد عجز عن توجيه ضربات قاضية مميتة للشعب الفلسطيني وحركة تحرره الوطنية .
نتنياهو وكل أركان (دولته الناقصة ) يعلمون تماما أن السلاح الأقوى القادر على الحاق الهزيمة بمشروعهم هو الوعي الوطني والسياسي المتنامي للشعب الفلسطيني ، فهنا على ارض فلسطين حوالي سبعة ملايين فلسطيني منهم حوالي مليونين تقريبا تعتبرهم قوانين دولته مواطنين رغم تصريحاته المخالفة لهذه القوانين، قرروا انتهاج النضال السياسي والسلمي لتأكيد هويتهم وانتمائهم وأحقيتهم التاريخية بوطنهم ، وللبرهنة على انهم جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني صاحب الأرض والتاريخ على هذه الأرض المقدسة، فكانت الانتخابات والوصول الى الكنيست كسلطة تشريعية سبيلهم للتأثير وتحقيق اهدافهم المنسجمة مع اهداف شعبهم والقوى الاسرائيلية اليهودية المحبة والمؤيدة للسلام والمناصرة للحل على أساس الدولتين .
اسقطت تصريحات نتنياهو ضد القائمة المشتركة وقادتها آخر ورقة توت كانت تستر عورة نظام تل أبيب السياسية ، وقد لا يكون هذا السقوط مفاجئا إلا لمن كان يجهل او لا يريد معرفة حقيقة ( اسرائيل ) ، لكنه مادة دسمة لنا ، تمكننا من استخدام اقصى قدراتنا الاعلامية والدبلوماسية والثقافية والعمل بجد ومثابرة وبحكمة على تكريس الصورة العنصرية لنظام نتنياهو في أذهان العالم.
ستفتح تصريحات نتنياهو قريحة الارهابيين في مجتمعه على التسابق في ميدان الاغتيالات وسيعتبرونها اشارة خضراء من حكومة الفاسد للتوغل في دماء اعضاء الكنيست العرب والجمهور الفلسطيني ، وقد لا ينجو منها اسرائيليون مقتنعون بمنهج السلام ، لكن وبذات الوقت سيتمكن العالم من رؤية مكامن الخدعة والكذبة الاسرائيلية الصهيونية ، التي لطالما مررت واستثمرت تحت مظلة الديمقراطية .
قد نشهد منعطفا جديدا في الحياة السياسية في ( اسرائيل الناقصة ) ، لكنه خطير نظرا للتحريض المبرمج على المواطنين الفلسطينيين، ونخشى ان يكون دمويا ، فاليمين الارهابي صاحب عقلية علي وعلى اعدائي لن تردعه قوانين، ولا حتى اجهزة دولة عندما يدرك أن وصوله للقمة مع نتنياهو كان بمثابة الوصول الى نقطة ليس بعدها إلا السقوط في الهاوية .