المسيحية ليست غربية.. ففلسطين مهدها
موفق مطر
لا يستطيع مراقب مهما اجتهد تمييز فرح الفلسطينيين بأعيادهم الدينية، فهنا في فلسطين يعتبر الفلسطينيون المؤمنون العيد الديني عيدا وطنيا، يوحدهم الانتماء للوطن وقداسة ارضه ورمزية العلم.
لا نتحدث هنا عن صورة الانسجام بين المؤسسات الدينية الرسمية الوطنية وحسب، بل عن حقيقة وواقع شعبي ملموس تبلغ مساحته دائرة الوطن من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه ومن يريد التأكد ليس عليه إلا زيارة موقع احتفال لإضاءة شجرة الميلاد المجيد ليكتشف اسرار معجزة انتماء شعب الأرض المقدسة فلسطين ويلمس ثقافة قلّ نظيرها مقارنة بشعوب العالم، فهنا يحتفل الفلسطيني المؤمن المسلم ويفرح بعيد الميلاد المجيد كما يحتفل الفلسطيني المؤمن المسيحي، فالشجرة المضاءة بأنوار المحبة والأمل بهذه المناسبة باتت رمزا وطنيا يتسابق الفلسطينيون للتعبير عن احترامهم ومحبتهم لهذا الرمز وإظهار ما امكنهم من السعادة والفرحة بحلول المناسبة عندما ترفع الشجرة وتضاء في أي مكان على ارض الوطن.
هنا في فلسطين لا مكان لمصطلح الطائفية في قاموس المواطنة، فالتاريخ بالنسبة للجميع كتاب مشترك، ينهلون منه المعرفة لرفع محتوى كنز الثقافة الوطنية، المنفتحة بلا حدود على العربية والإنسانية.
مشهد اضاءة شجرة الميلاد المجيد في مدينة روابي مساء الجمعة، اختصر رواية بلغت حتى الآن سن (2020) عاما من عمر التاريخ الانساني، رواية ابطالها اطفال وأمهات وآباء فلسطين، الذين ما حضروا حسب اعتقادي إلا لإيمانهم بأن الفلسطيني (عيسى المسيح) قد انبعثت أنوار رسالته من هذه الأرض المقدسة التي شهدت ايضا على لحظات ميلاده المعجزة في مهده (بيت لحم)، وليؤكدوا للعالم توقهم للسلام، ورؤية المحبة كشمس تشع على قلوب الناس في الدنيا اجمعين، وأن شعب فلسطين شعب هذه الأرض المقدسة وصاحبها يناضل ويفتدي الانسانية كما فعل المسيح الذي افتدى الناس ليفوزوا بالسلام.
كلمة المطران عطا الله حنا رئيس اساقفة سبسطية للروم الارثوذكس في احتفال اضاءة شجرة الميلاد في روابي كانت بمثابة رافعة للوعي الوطني، وإزالة لغشاوة سميكة لطالما منعت المثقفين ومعظم الناس العاديين عن رؤية الحقيقة، وهي أن المسيحية قد ولدت ونشأت على ارض فلسطين المقدسة، وان رسالتها ليست غريبة ولا غربية كما روج وكذّب الذين سعوا لتجريدنا من تاريخنا المجيد ومن هويتنا الوطنية، ومن انتمائنا لتاريخ وثقافة الأمة العربية الانسانية.
بلغت رسالة المطران الوطنية في مناسبة اضاءة شجرة الميلاد المجيد مبلغا لا يبلغه محترفو الخطاب السياسي إلا بشق الأنفس، عندما قدم دعوة المسيح ورسالته القائمة على نشر مبادئ الحق والعدل والسلام، وهي المبادئ التي يعتنقها كل انسان حر في العالم ايا كانت عقيدته الروحية او انتماؤه العرقي أو جنسه أو لونه، ويكفي انها جوهر وروح القوانين والمواثيق الدولية، ويكفينا فخرا أن الفلسطيني عيسى بن مريم (المسيح) قد دعا الناس قبل حوالي واحد وعشرين قرنا الى اعتناق هذه المبادئ وتطبيقها لضمان السلام والمحبة بين الناس في الدنيا.
يدخل شهر كانون الأول– ديسمبر وتنطلق في اول اسبوع منه الاحتفالات بإضاءة شجرة الميلاد في بيت لحم كونها مكان ميلاد ومهد السيد المسيح، وفي القدس التي شهدت قيامه الى السماء، وتشهد مدن فلسطين التاريخية والطبيعية على جمال الوعي الوطني، واستقامة الانتماء وغنى الشخصية الوطنية الفلسطينية ونقائها من الشوائب كالتعصب والطائفية، وهذا ما يجعلنا أقرب الى قلوب وعقول الناس في الدنيا، فنحظى بتعاطفهم ومواقفهم وقناعتهم بأن الأرض التي خرج منها المسيح ناشرا رسالة المحبة والعدل والحق والحرية والسلام، تستحق أن يعيش اصحابها وأهلها الأصليون التنعم أولاً بهذا السلام وان يعيشوا ككل شعوب الدنيا باجواء الحرية والاستقلال.