سبّاقون دائما
كتب: رئيس تحرير صحيفة "الحياة الجديدة"
سيسجل لمديرية أوقاف طولكرم، ولفلسطين تاليا، هذه السابقة، حين دعت طبيبا ليعتلي منبر الخطبة في صلاة الجمعة الماضية، ليحدث جموع المصلين، بمخاطر فيروس كورونا، وسبل الوقاية منه، في سبيل القضاء عليه، ما جعل من خطبته خطبة طبية، ودينية في ذات الوقت، وهو يشير إلى منهج الشريعة الاسلامية في معالجة الأمراض، التي تحض على المعرفة والتفحص والوقاية.
ثمة هندسة معرفية تكمن في هذه السابقة، التي تسجل لفلسطين، هندسة تعيد للوعي معنى ودور منبر خطبة الجمعة، بكونه منصة للمعرفة، وللقول المسؤول، وللخطب الإيمانية الجامعة، المعنية بحياة الناس، وسلامة هذه الحياة وأمنها، لا تلك الخطب التي تدعو حين تحزبها، إلى تهديد هذه الحياة بدعوات التطرف المذهبية والطائفية، وفتاوى التكفير والتحريم التي ما أنزل الله بها من سلطان..!! هندسة تقول لنا إن فوضى التطرف والتحزب، قد أطاحت بمعنى ودور منبر خطبة الجمعة هذا، لكن فلسطين وليس بحكم مواجهتها لفيروس كورونا فحسب، وإنما أساسا بحكم تنورها الإيماني، وتطلعها التحرري، تعيد بهذه السابقة لمنبر خطبة الجمعة، معناه ودوره الأصيل، وقد دعت لهذا المنبر اليوم طبيبا ليكون خطيبا بالناس.
لا أحد يطالبنا اليوم أن نكون سباقين في أمور الحياة وسبل مواصلتها على نحو صحيح، لكنه دمنا الفلسطيني النبيل، ومسؤوليتنا السياسية والأخلاقية والاجتماعية، التي تصدى لها الرئيس أبو مازن، ليعطي فلسطين السبق، على دول العالم أجمع، في إعلان حالة الطوارئ، لمحاربة جائحة "الكورونا"، وإنها بالطبع ثقافتنا الوطنية والحضارية الانسانية، وقد منحنا بالأمس على سبيل المثال جائزة محمود درويش لنعوم تشومسكي، وهو فيلسوف أميركي، إلى جانب كاتب وشاعر مغربي، هو عبد اللطيف اللعبي، وشاعر وباحث فلسطيني هو زكريا محمد.
ومن الواضح بهذا المثال أننا غير متحزبين في الثقافة، وبسابقة منبر خطبة الجمعة في طولكرم، ها نحن واضحون تماما في تنورنا الإيماني ومبدعون في إدراكنا لمعنى المنبر ودوره، ومرة أخرى ليس "الكورونا" من يجعلنا كذلك، وإنما هو معدن شعبنا الأصيل، الأكيد في صلابته وقوته وسلالته النبيلة، الذي كلما اشتدت الصعاب اشتد في تحدياته وتجلى على خير وجه في تحمل مسؤولياته الوطنية والاجتماعية والانسانية، وهذا بعض ما قاله منبر خطبة الجمعة في طولكرم، مثلما يشتد في تكاتفه وتعاضده، واقرأوا عن احتفال عيد ميلاد لأحد الشباب المعزولين في فندق الحجر الصحي في بيت لحم والذي أقامه له أصدقاؤه من خارج الفندق، واقرأوا كذلك عن مأدبة غداء العرس المؤجل في مخيم شعفاط، كيف حولها اهل العرس إلى بيت لحم لتوزع هناك على المعزولين في بيوتهم، وهؤلاء هم الفلسطينيون وهم سباقون دائما في المحبة والتآلف والتحدي، ولهذا سينتصرون.