من يضحك أخيرا في أزمة الكورونا
باسم برهوم
تقلب كثيرون ممن يتبنون فكرة المؤامرة بين مَن مِن الدول تآمر على الآخر، وأضاع هؤلاء من الوقت في تفكيك خيوط المؤامرات أكثر بكثير مما يجب فعله في مواجهة هذا الوباء الفتاك الذي قد يحصد أرواح ملايين البشر قبل أن تتم السيطرة عليه. وبغض النظر فإن المشهد العام للبشرية يوحي أننا جميعا ضحايا لهذا الفيروس، الذي يتنقل بين الدول وفي أجساد الناس كالنار في الهشيم، إلى درجة بات العالم يتحدث بلغة الأرقام، فهكذا يكون عليه الأمر عند حدوث المصائب.
ما نراه وللوهلة الأولى، أن الجميع متساوون أمام هذا الوباء، فهو منتشر في كل الدول الكبيرة والصغيرة، الغنية والفقيرة، ويصيب القادة والناس العاديين ولا يفرق في هجومه الكاسح بين أي من البشر، فهو عدو الجميع بلا استثناء، لذلك فإن مواجهته تتطلب جهدا دوليا مشتركا وتضامنا إنسانيا واسع.
هذا المشهد الإنساني المحزن والمؤلم يخفي خلفه تفاصيل كثيرة وكبيرة، يخفي خلفه قوى وشركات كبرى لديها كل وسائل إحراز النصر والسيطرة أكثر فأكثر على الاقتصاد العالمي، وبالتالي على العالم وطبقاته السياسية التي تئن من هول الأزمة وتبحث عن مخرج. فهذه الشركات التي تتشعب بين المواد الغذائية والأدوية ومواد الوقاية والأجهزة الصحية، إلى شركة مثل "أمازون" التي باتت تحقق أرباحا خيالية لازدياد الطلب على خدماتها في التوصيل إلى درجه أنها وظفت 80 ألف شخص جديد منذ بدء الأزمة.
من الواضح أن من سيضحك أخيرا في هذه الأزمة هو هذه الشركات لأنها هي المؤهلة أكثر من غيرها لاغتنام الفرص إن لم تكن هي من دفع الأمور لتأتي هذه الفرص، ولا أقصد بث الفيروس وإنما ترك الأمور تسوء كي يتم استثمار الأزمة حتى آخر رقم إنساني. خارج هذا الأخطبوط سواء كانوا من الأغنياء أو الفقراء فإن من يضحك هو من ينجح في تقليل خسائره الإنسانية والاقتصادية وينجح في محاصرة انتشار الوباء ليكون في حدوده الدنيا.
فلسطين حتى هذه اللحظة، رئيسا وحكومة ومؤسسات وأجهزة تدير الأزمة بشكل جيد، بالرغم من أن الجار العدو يصدر لنا أزمته المتفاقمة مع تفشي الوباء عنده. إذا استمرت هذه الإدارة الناجحة وهذا التعاون الشعبي لها نتمنى أن نكون من بين من يضحكون أخيرا، وأن نكون نموذجا لدولة صغيرة لا تمتلك سيادة وليست لديها موارد لدول كبرى فشلت في إدارة الأزمة، هذه النتيجة إن حصلت فلن يتجرأ أحد على القول إننا غير مؤهلين للاستقلال وهي الحجة التي طالما استخدمت لحرمان الشعب الفلسطيني من نعمة الحرية وحقه في تقرير المصير، وقبل هذا وذاك فإن الأساس هو سلامة هذا الشعب الصامد العظيم.