التعبئة العامة ما بين كورونا والعوز الشديد
هلا سلامة
نمط جديد فرضه فيروس كورونا على حياة اللبنانيين فأعادتنا الشوارع الخالية بالذاكرة إلى فترات من الحروب التي مرت على لبنان والتزاما بقرار مجلس الوزراء تقفل غالبية المؤسسات في وقت مبكر وفي تمام السابعة يسري مفعول منع التجول على الناس وتنصب حواجز تابعة للجيش والقوى الأمنية في المناطق كافة.
إلى متى سيطول الحجر المنزلي؟ إغلاق المدارس؟ الجامعات؟ معظم المرافق والمؤسسات والمحال التجارية؟ سؤال يراود الجميع، مرتبط بقرار فرض الحكومة التعبئة العامة استنادا إلى عداد كورونا الذي يحصي الإصابات المتزايدة يوما بعد يوم من كافة المشافي التي تستقبل المرضى.
وضائقة اجتماعية تصاحب الفيروس ترمي بثقلها على المواطنين الذين يعانون من موجة غلاء فاحش لم يشهدوها من قبل، إذ تسيطر مزاجية البائعين على تحديد الأسعار وتبدلها بين يوم وآخر مستغلين الفوضى في سعر صرف الدولار في السوق السوداء وغياب أي رقابة حتى بدا التسوق حلما، وتصدرت بعض المواد لا سيما المعقمة في زمن كورونا نكات اللبنانيين في التسعيرة الأغلى، فاستبدل مسمى بعضها كـ Dettol مثلا بعطر الـ Gucci.
أمر أدى في الأيام الأخيرة إلى التفلت في بعض المناطق من نظام التعبئة العامة الذي أقرته الدولة، فخرجت مجموعات للتعبير عن غضبها بسبب الأزمة المعيشية التي تعاني منها، وهذا ليس بالأمر الغريب إذا كان رب العائلة غير قادر في حالة الحجر أن يطعم أولاده فإنه حتما سيتخطى مخاطر الكورونا أمام تلك التي تهدده وعائلته.
فما حصل مؤخرا في طرابلس الشمالية وحي السلم في الضاحية الجنوبية وبالأمس على طريق المحمرة ومستديرة العبدة حلبا من احتجاجات على سوء الأوضاع الاجتماعية وعدم تمكن العائلات الفقيرة من تأمين قوتها بمثابة جرس إنذار لانفجار اجتماعي مرتقب.
وفي ذات السياق، الفلسطينيون بمواجهة الأزمة كاللبنانيين، وبالأمس نفذ اعتصام أمام مكاتب الأونروا في تعلبايا اعتراضا على إقفالها بسبب فيروس كورونا.
لا شك أن ما يقوم به بعض المسؤولين والجمعيات والأحزاب في توزيع المساعدات لا يحل كل المشكلة، وعلى الحكومة أن تعي أهمية دورها أولا في إنقاذ المجتمع اللبناني، وبعده إنقاذ نفسها وليس ما وعدت به من إنفاق 50 مليون دولار على شكل مساعدات غذائية بالأمر الكافي، إذ عليها القيام بخطوات جريئة أولها دفع مبلغ من المال لكل البيوت المحتاجة بعد إحصاء دقيق والتي يقارب عددها الـ 600 ألف عائلة تعيش دون خط الفقر وإلا سنكون قريبا أمام ثورة جياع حقيقية لا تأبه لمرض الكورونا.
يسقط قناع الاختصاص عن الحكومة، فتبدو الوجوه على حقيقتها الاستشارية لزعماء الأحزاب المشاركة فيها، وتتقدم ملفات أهل السلطة على الملف الوبائي، وتأخذهم المحاصصة إلى الخلافات على توزيع المناصب لا سيما المالية منها والتي يحاول حزب الله تقريب وجهات النظر حول بعض التعيينات فيها على نحو يرضي كافة قوى 8 آذار الثي تتمثل في الحكومة ما استدعى رؤسات الحكومات السابقين إلى إصدار بيان في الساعات الماضية حذروا فيه من تعيينات تتجه إليها الحكومة يُشتم منها الرغبة في السيطرة على المواقع الإدارية والمالية والنقدية للدولة اللبنانية بغرض الإطباق على الإدارة الحكومية من دون الالتزام بقواعد الكفاءة والجدارة.
وليست جريمة العصر المصرفية أيضا إلا أداة حامية قد تشعل الوضع في أي لحظة طالما أن أموال الناس مصادرة ومحجوزة أو مهربة إلى الخارج وأهل الحكم لا يحركون ساكنا بذلك يثبت عدم تورطهم فيه.
تحبس أنفاس الشعب اللبناني في زمن الكورونا بينما تأخذ السلطة قسطا من الراحة على ما يبدو تمكنها من اتخاذ قرارات أحبطتها ثورة تشرين، وما إزالة خيم المعتصمين مؤخرا في ساحة الشهداء تحت ذريعة مواجهة الفيروس والحد من الإصابات إلا دليل على ذلك.
العداد الذي يقلق ويعطل اللبنانيين أكثر من المسؤولين في البلاد، وحسب التقرير اليومي لوزارة الصحة عن Covid-19 الذي صدر بالأمس فإن عدد الحالات المثبتة مخبريا في مشفى الحريري الجامعي ومختبرات المشافي الجامعية المعتمدة بالإضافة إلى المختبرات الخاصة بلغ 463 حالة بزيادة 17 حالة عن يوم أمس الأول.
كما سجلت حالة وفاة في مشفى سيدة المعونات الجامعي لمريض في العقد الخامس من العمر، كان يعاني من أمراض مزمنة ما يرفع عدد الوفيات إلى اثنتي عشرة.
الأرقام في تصاعد و11 يوما يتبقى على مدة التعبئة العامة التي كانت قد أعلنتها الحكومة على كافة الأراضي اللبنانية، وإذا لم تحقق الغاية المرجوة منها ربما الأمور تتجه إلى تمديدها وبإجراءات أشد، أمر يبدو شبه مستحيل في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية في البلاد فكيف يكون وقع أي قرار جديد يتعلق بالحجر الإلزامي والإقفال ومنع التجول على الشارع اللبناني ولأي قوة تكون الغلبة، كورونا أم العوز الشديد؟
-------------
صحافية لبنانية