احترام التاريخ واستشراف المستقبل والحفاظ على استقرار العلاقات الصينية الأميركية
بقلم: يانغ جيتشي*
تعد العلاقات الصينية الأميركية من أهم العلاقات الثنائية في العالم، والحفاظ على استقرار هذه العلاقات لأمر يتعلق برفاهية الشعبين وشعوب العالم، ويتعلق بالسلام والاستقرار والتنمية في العالم.
أشار الرئيس شي جينبينغ في عام 2014 إلى أن التاريخ والوقائع قد أثبتت على أن الصين والولايات المتحدة تربحان بالتعاون وتخسران بالتصادم. إن التعاون الصيني الأميركي سيساهم في إنجاز مهام كبرى لصالح البلدين والعالم؛ أما التصادم بين البلدين، فلا يؤدي إلا إلى عواقب كارثية لهما وللعالم. يجب على الجانبين التحلي بالنظرة البعيدة المدى وتعزيز التعاون والتمسك به والابتعاد عن المجابهة، بما يخدم البلديْن ويأتي بفوائد على العالم برمته.
أكد الرئيس شي جينبينغ في رسالة التهنئة التي تبادلها مع نظيره الأميركي لمناسبة الذكرى الـ40 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، على أن العلاقات الصينية الأميركية حققت تطورا تاريخيا على مدى 40 عاما بعد تجاوز كل الصعوبات، وأتت بمصالح كبيرة على الشعبين، وقدمت مساهمة مهمة في إحلال السلام والاستقرار والازدهار في العالم. وأثبت التاريخ بجلاء على أن التعاون أفضل خيار بالنسبة للجانبين. وأكد الجانب الأميركي أيضا على التطور الكبير الذي شهدته العلاقات الثنائية منذ السنوات الطويلة.
يمر العالم الآن بالتغيرات الكبرى غير المسبوقة منذ مائة سنة، ولا يزال السلام والتنمية عنوانا رئيسيا في عصرنا. وتتحمل الصين والولايات المتحدة المسؤولية والمهام المشتركة للحفاظ على سلام العالم وتعزيز التنمية المشتركة، وذلك يتطلب من الجانبين النظر إلى العلاقات بينهما والتعامل معها بشكل صحيح وملائم، وإيجاد طريق التعايش السلمي بينهما رغم الاختلافات.
على هذا الأساس بالذات، اتفق الجانبان الصيني والأميركي على إقامة نوع جديد من العلاقات بين الدول الكبرى القائمة على أساس عدم التصادم وعدم المجابهة والاحترام المتبادل والتعاون والكسب المشترك. كما اتفق الجانبان، بعد تولي الإدارة الأميركية الحالية سلطتها، على ضرورة بذل جهود مشتركة لتطوير العلاقات الثنائية على أساس التنسيق والتعاون والاستقرار.
لكن، في الفترة الأخيرة، طرح بعض الساسة الأميركيين مختلف النظريات السخيفة واحدة تلو الأخرى، وشنوا هجوما على الحزب الشيوعي الصيني والنظام السياسي الصيني بنية خبيثة، وقاموا عمدا بتحريف تاريخ العلاقات الصينية الأميركية على مدى 50 عاما، حتى حاولوا إنكارها بشكل كامل، كما حاولوا خدع الشعب الأميركي وتضليل الرأي العام الدولي بالأكاذيب.
يدرك المجتمع الدولي أن الإدارة الأميركية هي التي أشعلت فتيل النزاع بشكل أحادي الجانب، واتخذت سلسلة من الأقوال والأفعال الخاطئة التي تشكل تدخلا للشؤون الداخلية الصينية، وتضر بالمصالح الصينية، وتلقي بظلال ثقيلة على العلاقات الثنائية، وذلك أدى إلى مشهد معقد وخطير للغاية لا مثيل لها في العلاقات الثنائية منذ تبادل التمثيل الدبلوماسي بين البلدين.
ردا على هذه الخطوات، أوضحت الحكومة الصينية موقفها بشكل شامل، واتخذت خطوات حازمة للحفاظ على سيادة الصين وأمنها القومي ومصالحها التنموية وصيانة استقرار العلاقات الصينية الأميركية بعزيمة لا تتزعزع.
إن التطور السليم والمستقر للعلاقات الصينية الأميركية لأمر يتعلق بمصير البلدين والعالم حاضرا ومستقبلا، ويتفق مع التطلعات المشتركة للشعبين وشعوب العالم. لن نسمح للقلة القليلة من الساسة الأميركيين بجرّ العلاقات الثنائية إلى الهاوية لخدمة مصالحهم الأنانية.
أولا
يتمتع الشعبان الصيني والأميركي بتاريخ طويل من التواصل الودي، وكانا يقاتلان كتفا بكتف في الحرب العالمية ضد الفاشية. ونال الشعب الصيني التحرر الوطني وأقام جمهورية الصين الشعبية في عام 1949 بقيادة الحزب الشيوعي الصيني، حيث أعلن الرئيس ماو تسي تونغ بمهابة أن الشعب الصيني قد قام على القدمين منذ ذلك الوقت.
أقامت الصين الجديدة بعد تأسيسها، العلاقات الدبلوماسية مع دفعات عديدة من دول العالم على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة والاحترام المتبادل للسيادة وسلامة الأراضي، غير أن السياسة الأميركية الخاطئة لرفض الاعتراف بجمهورية الصين الشعبية أوقعت البلدين في حالة القطيعة والعداء لفترة طويلة. رغم ذلك، تتقدم عجلة التاريخ والعصر إلى الأمام دون رجعة، وهو تيار تاريخي لا يقاوَم.
يكن الشعبان الصيني والأميركي مشاعر ودية دوما لبعضهما البعض، ولم يتوقفا عن المساعي إلى التواصل الودي والتعاون المشترك. في عام 1970، قال الرئيس ماو تسي تونغ في لقائه مع المراسل الأميركي إريك سنو: "ستقام العلاقات الدبلوماسية بين البلدين حتما. كيف يمكن بقاء البلدين في حالة القطيعة لمدة مائة سنة؟". وقال الرئيس ريتشارد نيكسون في عام 1970: "إن تحسين علاقاتنا العملية مع بجين يخدم مصلحتنا بكل التأكيد، ويخدم السلام والاستقرار في آسيا والعالم أيضا."
أظهر الرئيس ماو تسي تونغ ورئيس مجلس الدولة تشو أنلاي رؤيتهما الاستراتيجية بعيدة المدى، وقررا شخصيا تنفيذ "دبلوماسية كرة الطاولة"، ثم قام الدكتور هنري كيسنجر بزيارة سرية إلى الصين في يوليو عام 1971، فأصبح تطبيع العلاقات بين الصين والولايات المتحدة زخما قويا.
في فبراير عام 1972، قام الرئيس ريتشارد نيكسون بزيارة "كسر الجليد" إلى الصين بناء على دعوة رئيس مجلس الدولة تشو أنلاى، حيث حقق معه "المصافحة عبر المحيط الهادئ".
قال الرئيس نيكسون في كلمته الملقاة في المأدبة الترحيبية المقامة في قاعة الشعب الكبرى: "إنني جئت لمصلحة الشعب الأميركي. فأنتم تؤمنون بنظامكم مثلما نؤمن بنظامنا. ما يجمعنا في اللقاء هنا ليس الإيمان المشترك، بل مصالحنا وآمالنا المشتركة. لا يوجد أي سبب لنكون خصوما. قد آن الأوان لتسلق شعبينا قمة العظم وخلق عالم جديد وأجمل. أكدت القيادة الصينية على ضرورة استيضاح نقاط الخلاف بين الجانبين والعمل على إيجاد الأرضية المشتركة بينهما، بما يشكل بداية جديدة للعلاقات بين البلدين".
أكد الجانبان الصيني والأميركي في "إعلان شانغهاي" الصادر خلال زيارة الرئيس نيكسون للصين على الأرضية المشتركة بينهما، مع الاعتراف بالخلافات القائمة، وأشارا بكل وضوح إلى وجود الاختلافات الجوهرية بين البلدين من حيث النظام الاجتماعي والسياسة الخارجية، واتفقا على أهمية تعامل البلدين، مهما كان النظام الاجتماعي لهما، مع العلاقات الدولية وفقا لمبادئ احترام سيادة الدول وسلامة أراضيها وعدم الاعتداء وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى والمساواة والمنفعة المتبادلة والتعايش السلمي. كما أكد الجانبان أن تطبيع العلاقات الصينية الأميركية لأمر يتفق مع مصالح جميع الدول. سجلت هذه الوثيقة التاريخية بوضوح التوافق الهام بين الجانبين حول أهمية التعاطي مع العلاقات الثنائية وفقا لمبادئ الاحترام المتبادل والتعامل على قدم المساواة والسعي إلى الأرضية المشتركة مع ترك الخلافات جانبا. يجسد "إعلان شانغهاي" بجلاء مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة ويتفق مع القواعد الأساسية للعلاقات الدولية.
من الزيارة السرية لكيسنجر إلى الزيارة الرسمية للرئيس نيكسون، خطت العلاقات الصينية الأميركية خطوة هامة نحو اتجاه التطبيع. قبلت إدارة جيمي كارتر المبادئ الثلاثة المطروحة من الجانب الصيني، أي "قطع العلاقات مع سلطات تايوان وسحب القوات منها وإلغاء اتفاقية الدفاع المتبادل معها"، وتوصلت إلى التوافق مع الصين بشأن حسن معالجة قضية تايوان على هذا الأساس. وأكدت الولايات المتحدة في "إعلان إقامة العلاقات الدبلوماسية" بين البلدين الصادر في يوم 16 ديسمبر عام 1978، على اعترافها بحكومة جمهورية الصين الشعبية كحكومة شرعية وحيدة للصين، وإبقاء الشعب الأميركي في هذا الإطار، على العلاقات الثقافية والتجارية والعلاقات غير الرسمية في المجالات الأخرى مع شعب تايوان. في يوم 1 يناير عام 1979، تمت إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والولايات المتحدة.
في مسيرة تطور العلاقات الصينية الأميركية من زيارة "كسر الجليد" إلى تطبيعها حتى إقامة العلاقات الدبلوماسية، اتخذ ماو تسي تونغ وتشو أنلاي ودنغ شياوبينغ من الجانب الصيني وريتشارد نيكسون وجيمي كارتر وهنري كيسنجر من الجانب الأميركي وغيرهم من الجيل القديم من القادة السياسيين الصينيين والأميركيين قرارا سياسيا تاريخيا برؤيتهم الاستراتيجية وشجاعتهم السياسية الاستثنائية، انطلاقا من صيانة المصالح الأساسية للشعبين رغم الاختلافات في الأيديولوجيا والنظام الاجتماعي. إن "إعلان شانغهاي" و"إعلان إقامة العلاقات الدبلوماسية" و"إعلان 17 أغسطس" الصادر في عام 1982 الذي ركز على تسوية المسألة التي خلفها التاريخ، أي مسألة المبيعات العسكرية الأميركية إلى تايوان، حددت مبدأ "الصين الواحدة" وقواعد التعاطي مع العلاقات الثنائية مثل الاحترام المتبادل والتعامل على قدم المساواة والسعي إلى الأرضية المشتركة مع ترك الخلافات جانبا، مما شكل أساسا سياسيا للعلاقات الصينية الأميركية.
تشير الحقائق في التاريخ إلى أن الصين تلتزم دوما بقيادة الحزب الشيوعي الصيني والسير على طريق الاشتراكية بعزيمة لا تتزعزع. منذ عملية تطبيع العلاقات الصينية الأميركية، تظل هذه العلاقات قائمة على أساس توافق الجانبين حول الاعتراف باختلاف النظام الاجتماعي واحترام هذا الاختلاف. في الوقت الراهن، ادعى بعض الساسة الأميركيين بأن تواصل الولايات المتحدة مع الصين وإقامة العلاقات الدبلوماسية معها كانت من أجل تغيير الصين، وأصبحت السياسة الأميركية للتعامل مع الصين فاشلة تماما، كما ادعوا بأن الصين خدعت الولايات المتحدة منذ السنوات الطويلة، وعكفوا على تضخيم المجابهة الأيديولوجية وترويج عقلية الحرب الباردة. يعد ذلك إهانة غير مسبوقة للجهود والمساهمات الجبارة التي قدمتها الشخصيات الصينية والأميركية في كافة الأوساط لتطوير العلاقات الثنائية منذ عقود. غير أن الحقيقة هي الحقيقة، والتاريخ لا يقبل التشويه. يجب علينا تبني موقف مسؤول تجاه التاريخ والشعب للدفاع عن الحق ومقاومة الباطل واستعادة الوجه الأصلي للتاريخ، والعمل سويا على صيانة أساس العلاقات الصينية الأميركية والمشاعر الودية بين الشعبين الصيني والأميركي. ستجد أي محاولة أخرى رفضا قاطعا من قبل التاريخ والشعب.
ثانيا
بعد إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والولايات المتحدة، صمدت العلاقات الثنائية أمام التحديات والتقلبات العديدة، وحققت تقدما تاريخيا بفضل الجهود المشتركة من الجانبين، الأمر الذي عاد بفوائد هائلة على الشعبين وساهم بشكل فعال في تعزيز السلام والاستقرار والتنمية في العالم. يتميز التعاون الصيني الأميركي دوما بالمنفعة المتبادلة والكسب المشترك، وكل من الصين والولايات المتحدة والدول الأخرى في العالم مستفيد من تطور العلاقات الصينية الأميركية على مدى 41 سنة ماضية.
منذ تنفيذ سياسة الإصلاح والانفتاح، وتحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني، أحرز الشعب الصيني باجتهاده وحكمته إنجازات تنموية كبيرة. خلال هذه العملية، استفادت الصين من تواصلها وتعاونها مع دول العالم لتحقيق التنمية السريعة وفي الوقت نفسه، وفرت الصين قوة دافعة مستمرة وفرصة مهمة لتنمية البلدان الأخرى بما فيها الولايات المتحدة، إذ أن حجم التبادل التجاري بين البلدين ازداد بأكثر من 200 ضعف منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما، وارتفع حجم الاستثمار المتبادل بينهما من صفر إلى 240 مليار دولار أميركي. استفاد المستهلكون الأميركيون من السلع الصينية المتميزة بالأسعار الرخيصة والجودة العالية، وجنت الشركات الأميركية أرباحا هائلة من سوق الصين الكبيرة وبيئتها التجارية الممتازة.
كما ازداد حجم تبادل الأفراد بين البلدين من بضعة آلاف شخص سنويا إلى أكثر من 5 ملايين شخص سنويا، وقد تجاوز عدد الطلاب الصينيين المتواجدين في الولايات المتحدة 400 ألف طالب. وقد تمت إقامة علاقات الصداقة بين 50 مقاطعة صينية وولاية أميركية وعلاقات التوأمة بين 227 مدينة صينية وأميركية. وتبادل الشعبان الصيني والأميركي التعاطف والمساعدة في مواجهة إعصار كاترينا في عام 2005 وزلزال ونتشوان المدمر في عام 2008. وتآزرت وتساندت الأوساط المختلفة في الصين والولايات المتحدة بعد حدوث جائحة فيروس كورونا المستجد، حيث تبرعت المقاطعات والشركات والمؤسسات الصينية المعنية بالكمامات والألبسة الواقية وغيرها من المعدات الطبية إلى الولايات والمدن والمجتمعات الأميركية والمواطنين الأميركيين المتضررين من الجائحة، وقدمت عددا كبيرا من المستلزمات الوقائية إلى الجانب الأميركي لمكافحة الجائحة.
كانت الصين والولايات المتحدة تعملان مع الدول الأخرى على صيانة السلام والأمن والتنمية في العالم، وتبقيان على التواصل والتنسيق الوثيقين في القضايا الإقليمية الساخنة في شبه الجزيرة الكورية وأفغانستان والشرق الأوسط، وتدفعان مع الدول المعنية عملية الحل السياسي للقضايا المعنية. كما أجرت الصين والولايات المتحدة تعاونا مثمرا في مجالات مكافحة الإرهاب ومنع الانتشار النووي ومكافحة المخدرات والوقاية من الأمراض والسيطرة عليها وتقليل الفقر وحفظ السلام ومكافحة إساءة استخدام الفينتانيل وتهريبها. بعد تعرض الولايات المتحدة للهجوم الإرهابي في يوم 11 سبتمبر عام 2001، تقدمت الصين حكومة وشعبا بشكل فوري بمواساتها للإدارة الأميركية والشعب الأميركي، ثم عزز الجانبان التنسيق والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب ومنع الانتشار النووي. في الوقت نفسه، يؤكد الجانب الصيني دائما على عدم اتخاذ المعايير المزدوجة أو المتعددة في قضية مكافحة الإرهاب. كما تضافرت الصين والولايات المتحدة والدول الأخرى جهودا لمواجهة الأزمة المالية الآسيوية في عام 1997 والأزمة المالية الدولية في عام 2008، الأمر الذي قدم مساهمات مهمة في الحفاظ على استقرار المالية الدولية وتعزيز انتعاش الاقتصاد العالمي. وتم التوقيع على "اتفاق باريس" بفضل الجهود المشتركة للصين والولايات المتحدة والدول الأخرى، مما وفر ديناميكية مهمة لتعزيز التعاون العالمي في مجال التغير المناخي. كما أجرت الصين والولايات المتحدة التعاون الثلاثي في مجال الأمن الغذائي في تيمور الشرقية، وقامتا بتدريب الدبلوماسيين الأفغانيين بشكل مشترك، وبذلتا جهودا مشتركة لمكافحة وباء إيبولا في إفريقيا، الأمر الذي شكل نموذجا لقيام البلدين بمساعدة طرف ثالث في بناء قدرته.
بالطبع، لم تكن مسيرة تطور العلاقات الصينية الأميركية مفروشة بالورود طوال السنوات الـ41 الماضية، وكان هناك تقلبات وتعرجات خطيرة في هذه المسيرة، غير أن الصين والولايات المتحدة استطاعتا السيطرة على النزاعات والخلافات والتعامل مع القضايا الحساسة بشكل ملائم، انطلاقا من المنظور التاريخي والمصلحة العامة، مما حافظ على زخم التطور السليم للعلاقات الصينية الأميركية. أثبتت الحقائق على أنه لا توجد عقبة مستحيل تجاوزها بالنسبة للصين والولايات المتحدة، وأهم شيء هو التحلي بالنية الصادقة لتبادل الاحترام والمساواة والسعي إلى الأرضية المشتركة مع ترك الخلافات جانبا، وتحمل المسؤولية تجاه التاريخ والشعب.
تعلمنا كثيرا من تاريخ العلاقات الصينية الأميركية على مدى 41 سنة ماضية: أولا، يجب أخذ العلاقات الصينية الأميركية في اعتبار والتعامل معها انطلاقا من المصلحة المشتركة للشعبين وشعوب العالم ومستقبل ومصير البشرية جمعاء، وذلك من أجل خدمة البلدين والبلدان الأخرى. ثانيا، يجب التمسك الدائم بالاتجاه الصحيح للعلاقات الصينية الأميركية، مع الوعي التام بأن المصلحة المشتركة بين البلدين أكبر بكثير من الخلافات. ثالثا، يجب التسمك بإدارة الخلافات والسيطرة عليها بشكل بناء، والالتزام الصارم بالمبادئ والروح الواردة في البيانات المشتركة الثلاثة بين البلدين، والاحترام المتبادل للمصالح الجوهرية والهموم الكبرى. رابعا، يجب السعي الدائم لتوسيع نطاق التعاون الصيني الأميركي، والالتزام بمبدأ التعاون والكسب المشترك، بما يعود بفوائد أكثر على البلدين والعالم. قد أثبتت هذه التجارب القيمة على فعاليتها في الماضي، وتظل فعالة في الوقت الراهن وفي المستقبل.
ثالثا
تواجه العلاقات الصينية الأميركية ظروفا داخلية وخارجية جديدة. على هذه الخلفية، تتمثل المقاربة الصائبة لصيانة استقرار العلاقات الثنائية في شق طريق المستقبل مع احترام التاريخ ومواكبة العصر، بدلا من تحريف التاريخ وإنكاره وإعادة عجلته إلى الوراء.
في الوقت الراهن، تتسارع وتيرة التغيرات الكبرى التي لم يشهدها العالم منذ مائة سنة، وتزداد العوامل غير المستقرة وغير المتأكدة في الأوضاع الدولية بشكل ملحوظ، وأتت جائحة فيروس كورونا المستجد بتحديات جديدة على الأمن والتنمية لكافة البلدان. في الوقت نفسه، أصبح العالم قرية كونية تترابط فيها دول العالم اقتصاديا وتتقدم العلوم والتكنولوجيا بسرعة فائقة وتشارك البشرية في السراء والضراء، فلا يمكن لأي دولة النأي بنفسها عن دول أخرى. كما أشار الرئيس شي جينبينغ في كلمته المهمة التي ألقاها في مقر الأمم المتحدة بجنيف عام 2017 إلى أنه لا يوجد في الكون سوى كوكب أرضي واحد وهي الدار المشتركة للبشرية جمعاء؛ ولا يوجد أمام البشرية خيار آخر سوى الاعتزاز بالأرض والاعتناء بها. عليه، يجب على دول العالم العمل سويا على إقامة نوع جديد من العلاقات الدولية وإقامة مجتمع المستقبل المشترك للبشرية.
نعيش في عالم متنوع، وتسير دول العالم، رغم اختلافاتها من حيث التاريخ والثقافة والنظام السياسي والنمط التنموي، على الطرق التنموية التي تتماشى مع ظروفها الوطنية. نحترم الطرق التنموية التي اختارتها الدول الأخرى، ونتمنى لها النجاح في التنمية. تتمسك الصين بكل ثبات بطريق الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، التي تتمثل سمتها الأكثر جوهرية في قيادة الحزب الشيوعي الصيني. حققت الصين إنجازات هائلة في هذا الطريق، وقدمت مساهمات مهمة في صيانة السلام والاستقرار في العالم وتعزيز التنمية المشتركة لكافة البلدان. لكن بعض الساسة الأميركيين المتعجرفين والجاهلين ينتهكون ميثاق الأمم المتحدة والقواعد الأساسية للعلاقات الدولية، ويتدخلون في الشؤون الداخلية للدول الأخرى بصورة فظة وتعسفية. إن المحاولات الأميركية التي تهدف إلى تشويه النظام السياسي الصيني والإيقاع بين الحزب الشيوعي الصيني والشعب الصيني ستبوء بالفشل حتما. ينبغي أن يفهم أولئك الأشخاص أن المكانة القيادية للحزب الشيوعي الصيني حددها التاريخ والشعب، ولاقت دعما قويا من الشعب الصيني البالغ عدده 1.4 مليار نسمة.
ظل الحزب الشيوعي الصيني يعمل على تلبية تطلعات الشعب الصيني للحياة الجميلة، وهذا هو السبب الجذري لحصول الحزب على التأييد المخلص من عامة الشعب. كلّما كثّف الساسة الأميركيون محاولاتهم لقطع الارتباط القوي بين الحزب الشيوعي الصيني والشعب الصيني، كلّما أثاروا سخط الشعب الصيني وزادوا عزمه على الكفاح والتقدم تحت القيادة القوية للحزب الشيوعي الصيني.
ولا بد الإشارة إلى أنه في المجتمع المعلوماتي اليوم، يعرف الشعب الصيني العالم والولايات المتحدة بشكل واف ومعمق، ويتمكن من إصدار الحكم الصحيح دون التعرض للتضليل من قبل البعض في الولايات المتحدة. ليس لدينا أي رغبة في التدخل في الشؤون الداخلية الأميركية، وبالمقابل، يجب على الجانب الأميركي احترام اختيار الصين لطريقها التنموي، ويجب احترام الحقوق المشروعة للشعب الصيني في السعي وراء التنمية الوطنية والحياة الجميلة. إن جميع المؤامرات الرامية إلى مصادرة حق التنمية للشعب الصيني ليست إلا أضغاث الأحلام. يمتلك الشعب الصيني الثقة التامة في هذا الصدد، ويدرك المجتمع الدولي ذلك جيدا.
يبذل الشعب الصيني الآن جهودا دؤوبة من أجل تحقيق "هدفي مائة سنة"، التفافا وثيقا حول اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ونواتها الرفيق شي جينبينغ. في هذا السياق، ستتبع الصين بكل ثبات طريق التنمية السلمية، مع الأمل من الدول الأخرى السير سويا في هذا الطريق؛ ستعمل الصين بكل ثبات على إقامة نوع جديد من العلاقات الدولية وإقامة مجتمع المستقبل المشترك للبشرية، وبناء عالم يسوده السلام الدائم والأمن السائد والازدهار المشترك والانفتاح والتسامح والنظافة والجمال؛ وتعمل الصين بكل ثبات على تعميق الإصلاح وتوسيع الانفتاح، وستفتح باب الانفتاح على نطاق أوسع فأوسع؛ وتعزز الصين بكل ثبات التعاون المتبادل المنفعة مع دول العالم وتعمل معها سويا على بناء "الحزام والطريق" بالجودة العالية، وتدعو بنشاط إلى بناء "طريق الحرير الصحي" وإقامة مجتمع تتوفر فيه الصحة للبشرية.
في النصف الأول للعام الجاري، قدّم الاقتصاد الصيني أداءً فوق التوقعات رغم الجائحة الخطيرة في العالم، الأمر الذي جسّد بجلاء الصلابة والإمكانيات الكامنة للاقتصاد الصيني. كما أشار الرئيس شي جينبينغ سابقا إلى أن الاقتصاد الصيني هو بحر كبير وليس بركة صغيرة. قد تقلّب العواصف البركة الصغيرة، لكنها تعجز عن تغيير شيء من البحر الكبير. نرحب بالشركات الأميركية والشركات من الدول الأخرى لمواصلة الاستثمار ومزاولة الأعمال في الصين، وسنواصل تهيئة بيئة تجارية أفضل لها.
إن الموقف الصيني من تطوير العلاقات الصينية الأميركية ثابت ودائم، ويتسم بدرجة عالية من الاستقرار والاستمرارية. نعمل دائما على تطوير العلاقات الصينية الأميركية القائمة على عدم التصادم وعدم المجابهة والاحترام المتبادل والتعاون والكسب المشترك، وفي الوقت نفسه، ندافع بكل حزم عن سيادة بلادنا وأمنها ومصالحها التنموية.
إن الهدف الجذري لتنمية الصين هو رفع مستوى معيشة الشعب الصيني وتقديم مساهمات أكبر في السلام والاستقرار والتنمية والازدهار إقليميا وعالميا. ولم يكن الحوار والتعاون بين الصين والولايات المتحدة طريقا وحيد الاتجاه أو نعمة يمنحها جانب للجانب الآخر، بل ويقومان على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة.
إن الصين دولة تهتم بالمبادئ والمنطق والمصداقية، وتلتزم بالاحترام المتبادل والتعاون والكسب المشترك. وأكد المجتمع الدولي على أمله في التطور السليم والمستقر للعلاقات الصينية الأميركية، بدلا من انزلاقها إلى التصادم والصراع. لكن بعض الساسة الأميركيين يمارسون الضغوط على الدول الأخرى بكل السبل الممكنة لإجبارها على الانضمام إلى معسكرهم، بغية تحقيق مصالحهم الأنانية. إن هذه التصرفات مكروهة في المجتمع الدولي، ولن تنجح المؤامرات لهؤلاء الساسة الأميركيين أبدا.
رابعا
يجب على الجانبين الصيني والأميركي التمسك باتجاه تطور العلاقات الثنائية من المنظور الاستراتيجي والبعيد المدى وبالموقف المسؤول تجاه التاريخ والشعب، وتعزيز الاتصال والحوار والتواصل انطلاقا من المصالح الأساسية للشعبين وشعوب العالم. ويجب على الجانب الأميركي بذل جهود مشتركة مع الجانب الصيني لدفع العلاقات الصينية الأميركية القائمة على التنسيق والتعاون والاستقرار، بما يعيد العلاقات الثنائية إلى مسارها الصحيح.
يجب على المجتمع الدولي مواصلة تعزيز التعاون لمواجهة جائحة فيروس كورونا المستجد. إن الأمراض المعدية لا تعرف الحدود والأعراق، وهي العدو المشترك للبشرية جمعاء. إن التضامن والتعاون أقوى سلاح، فلا يمكن لدول العالم الانتصار على الجائحة إلا بتضافر الجهود.
يدعم الجانب الصيني تعزيز التعاون في المجتمع الدولي لمكافحة الجائحة تحت قيادة منظمة الصحة العالمية، والعمل على هزيمة الجائحة في يوم مبكر. ويأمل الشعب الصيني بكل صدق وإخلاص في السيطرة على الجائحة في الولايات المتحدة في وقت قريب وتقليل الخسائر التي يتعرض لها الشعب الأميركي جراء الجائحة.
ويجب على بعض الساسة الأميركيين الوقف الفوري لتسييس الجائحة ووضع علامة جغرافية على الفيروس، ووقف تحميل الجانب الصيني المسؤولية، بل ويجب عليهم تحمل المسؤولية تجاه شعبهم والوفاء بالتزاماتهم الدولية المطلوبة كدولة كبرى، والعمل مع المجتمع الدولي على تعزيز التعاون العالمي في مكافحة الجائحة وإنقاذ أرواح البشرية.
يجب احترام المصالح الجوهرية والهموم الكبرى للجانب الآخر. إن قضية تايوان والقضايا المتعلقة بهونغ كونغ والتبت وشينجيانغ تتعلق بسيادة الصين وسلامة أراضيها ومصالحها الجوهرية، لذا، يطلب الجانب الصيني بكل جدية من الجانب الأميركي التعامل مع القضايا المعنية بشكل حذر وملائم، والوقف الفوري للتدخل في الشؤون الداخلية الصينية. لقد اتخذنا وسنواصل اتخاذ إجراءات مضادة حازمة ولازمة ردا على الأقوال والأفعال الأميركية التي تمس بمصالحنا الجوهرية والهامة. إن عزيمة الصين على الدفاع عن سيادتها وأمنها ومصالحها التنموية ثابتة لا تتزعزع.
يجب إدارة الخلافات والسيطرة عليها، تجنبا لسوء الحكم الاستراتيجي. يمثل التعاون والكسب المشترك الخيار الصحيح الوحيد بالنسبة للصين والولايات المتحدة. لذلك، لا بد من الجانب الأميركي نبذ عقلية الحرب الباردة واللعبة الصفرية والتصرفات الخاطئة الأخرى. ويجب على الجانبين الصيني والأميركي إجراء الحوار والتواصل في كافة المجالات. ستبقى البوابة الصينية للحوار والتواصل مع الجانب الأميركي مفتوحة دائما. ويجب على الجانبين تعزيز التعاون عبر التواصل وتسوية الخلافات عبر الحوار.
يجب توسيع التعاون المتبادل المنفعة في كافة المجالات. نأمل من الجانب الأميركي تعزيز التنسيق مع الجانب الصيني وتهيئة ظروف مواتية لتنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاقية التجارية بين البلدين.
ويجب على الجانب الأميركي وقف التنمر على الشركات الصينية وتوفير بيئة عادلة ومنفتحة وغير تمييزية لاستثمار وأعمال الشركات الصينية. ويجب على الجانبين توسيع التواصل والتعاون في مجالات الطاقة وإنفاذ القانون ومكافحة المخدرات والتعاون المحلي والتواصل الإنساني والثقافي وغيرها.
ويجب على الجيشين الصيني والأميركي تعزيز الاتصالات والتواصل وحسن توظيف آلية الثقة المتبادلة، بما يجعل العلاقات بين الجيشين عاملا مستقرا للعلاقات الثنائية. كما يجب على الجانبين مواصلة التنسيق والتعاون في شبه الجزيرة الكورية وأفغانيستان والشرق الأوسط والأمن السيبراني وتغير المناخ والصحة العامة وغيرها من القضايا الدولية والإقليمية، بما يأتي بفوائد أكثر على الشعبين وشعوب العالم من التعاون بين الصين والولايات والمتحدة والدول الأخرى.
يجب الحفاظ على الأساس الشعبي للعلاقات الصينية الأميركية. جاءت الصداقة بين البلدين بلورة للجهود الجليلة من قبل الشعبين على مدى العقود الماضية، وتستحق كل الاعتزاز بها. غير أن بعض القوى الأميركية المعادية للصين تتعمد في عرقلة التواصل الطبيعي بين البلدين وتضليل الجمهور الأميركي بسوء استخدام مفهوم "الأمن القومي"، بغية إلحاق أضرار بالعلاقات الثنائية على نحو لا رجعة فيه.
يدرك أصحاب الرؤية الأميركيون في الأوساط المختلفة أهمية الحفاظ على العلاقات الثنائية والصداقة بين الشعبين، وبادروا في الإعراب عن مواقفهم الرافضة للتصرفات الرجعية للقوى المعادية للصين.
إن التواصل الودي بين الشعبين الصيني والأميركي لن تُقطع بمجرد التلاعب السياسي لبعض الساسة الأميركيين. يرحب الجانب الصيني بقيام مزيد من الأميركيين من الأوساط المختلفة بزيارة الصين للتعرف على الصين الحقيقية، وسيواصل تشجيع ودعم التواصل والتعاون بين شعبي البلدين في مجالات التربية والتعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتكنولوجيا والشباب ووسائل الإعلام وغيرها.
إن الحفاظ على استقرار العلاقات الصينية الأميركية يتفق مع رغبة الشعب ويتماشى مع الاتجاه العام. نحث صانعي القرار في الولايات المتحدة على احترام الحقائق التاريخية وإدراك تيار العصر وأخذ أصوات أصحاب الرؤية الأميركيين في الأوساط المختلفة على محمل الجد والإصغاء إلى دعوات دول العالم وتصحيح الأخطاء وتغيير النهج المتبع، وبذل جهود مشتركة مع الجانب الصيني لإدارة الخلافات والسيطرة عليها على أساس مبدأ الاحترام المتبادل، وتوسيع التعاون على أساس المنفعة المتبادلة، والعمل سويا على إعادة العلاقات الصينية الأميركية إلى مسار التطور السليم والمستقر.
------------
*عضو المكتب السياسي للجنة المركزية، مدير المكتب للجنة الشؤون الخارجية التابعة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني