مرسوم الرئيس
بقلم: موفق مطر
أطلق الرئيس محمود عباس أمس الأول شارة انطلاق السباق الديمقراطي للفوز بوسام الوطنية الذي لن يناله الفائز إلا بعد قطعه مسيرة السباق ووصوله على آخر لحظة من مدة الدورة الانتخابية التشريعية، فالفائز بمقعد في المجلس التشريعي باعتباره المرحلة الأولى التي ستليها الانتخابات الرئاسية واستكمال انتخابات المجلس الوطني سيستحق لقب النائب الوطني بشرط اجتياز اختبارات وامتحانات نظرية وعملية لا علاقة لها بالمناظرات الكلامية الخطابية الشعبوية، وإنما بالإبداعات الفكرية النظرية القابلة للتطبيق عمليا لرفع المصالح الوطنية العليا والانتصار لها قولا وفعلا، وتغليبها على المصلحة الحزبية، والنجاح في تكريس سبل العمل القويم السليم في مسار الانتصار للثوابت الوطنية الفلسطينية المعلومة والمعروفة لدى الشعب الفلسطيني، وباتت تمثل محور إجماع، والانخراط بإخلاص وصدق في عملية نظم برنامج وطني يضع فلسطين وحدها في عميق ميدان زاوية الرؤية للحاضر والمستقبل، حتى وإن كانت الرؤية بعدسة حزبية، فالحزب أو الحركة أو الجبهة أو المستقل الذي لا تكون فلسطين عدسته وشبكته العصبية ومركز عصبه البصري والفكري والحسي ليس فلسطينيا ولن يكون كذلك حتى لو خانت الظروف والوقائع وتمكن من الفوز بثلثي مقاعد المجلس التشريعي.
لا تحتمل الحالة الفلسطينية الترف ومظاهر التنافس التقليدية التي نعرفها ونعيشها في بلدان العالم في مثل هذه الاستحقاقات الدستورية القانونية، فنحن نفترض أن كل القوى والأحزاب والأفراد تلتقي عند جوهر وروح برنامج واحد التحرر والحرية وبناء الدولة، أما النظريات الناظمة لسياسات الأحزاب والقوى والأفراد، وكذلك المرجعيات فهي تفاصيل، ستبقى فارغة من أي مضمون، ولا مجال لتطبيقها أو النجاح في تكريسها على أرض الواقع مالم تكن فلسطين الحرية والتحرر والدولة المستقلة ذات السيادة، التقدمية الديمقراطية في صلبها، وما لم يكن الشعب الفلسطيني كله ودون استثناء الهدف المنشود، فالتجارب القريبة جدا لذاكرتنا الوطنية والعربية والدولية قد أثبتت وبالبرهان انهيار السباقات في هذا المسار الرئيس والمهم في ميدان الديمقراطية بسبب احتلال الحزب مكانة الوطن في نقطة الهدف.
لن تكون الانتخابات التشريعية خطوة على طريق استعادة نظام وقانون السلطة الوطنية الفلسطينية في قطاع غزة كشرط لتلبية متطلبات الدولة المستقلة مالم يؤكد المتنافسون ايا كانت مرجعياتهم ايمانهم بسيادة القانون ومؤسساته، مالم تنجح عقلية المواطنة من إثبات ذاتها بالخروج بأمان وسلام من شبكة المتاهات العائلية والعشائرية والحزبية الفئوية والعصبوية الجهوية، وإلا فإنها- أي الانتخابات- ستكون سبيلا جديدا لانتشار فيروس انقسامات متحورة ومركبة غير مسبوقة؛ لذا من المهم معرفة معنى وأبعاد الخطاب القائل بأن الانتخابات خطوة على طريق إنهاء الانقسام الجيوسياسي الفلسطيني، فالأصل أن نعتقد بأن الانتخابات فرصتنا لتجسيد المواطنة بأحسن صورها، وإعادة بلورة الأهداف الوطنية لتبدو واضحة المعالم والتفاصيل حتى لا يظن أحد امتلاكه حق خدشها بحجة التزامه بمرجعياته اللاوطنية وارتباطاته بالأجندات الإقليمية والخارجية.. فالإيمان بالمواطنة ومعرفة حدود واجباتها وحقوقها ومنها الحق في الترشح والانتخاب والتعبير عن الرأي، وحق تمثيل إرادة المواطنين في تشكيل النظام السياسي، الشرط الأساس لنجاح الشعب الفلسطيني– وأي شعب في العالم– في تكريس الديمقراطية كمنهج للحياة السياسية وما تتضمنه من مساواة وعدالة وضمان الحقوق.
سيبقى مرسوم رئيس دولة فلسطين أبو مازن في هذه اللحظات المصيرية علامة فارقة في تاريخ فلسطين السياسي، فالمرسوم جاء في أوج وذروة الصراع مع منظومة الاحتلال الاستعماري الاستيطاني العنصري (اسرائيل) وتزامن مع حملة غدر وطعنات في الظهر (التطبيع) الرسمي العربي، وفي ظل هيجان الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي أصاب منظومة الديمقراطية الأميركية بجروح بالغة لا ندري الى متى ستبقى نازفة ومدى تأثيراتها السلبية على دول العالم بما فيها دول منطقتنا، وسيحسب للرئيس أبو مازن أنه قرر تأمين هذا الحق الدستوري للمواطنين الفلسطينيين في زمن خفت نجم الديمقراطية في دول كانت مصنفة في مراتب متقدمة.
يمثل الرئيس ابو مازن إرادة الشعب الفلسطيني، وبهذا المرسوم يؤكد للعالم جدارة هذا الشعب في الاستقلال والحرية في دولة ذات سيادة، كما يؤكد طموحه في صنع مستقبل آمن للمنطقة في ظل وسلام عادل، فلا استقرار وازدهار إلا بتحقق أهداف الشعب الفلسطيني، وتمكينه من تجسيد إرادته دون أي تدخل من أي دولة أو قوة أو كيان في العالم.