مكامن الخطر في قانون يهودية الدولة
بقلم: أحمد عساف
في خضم النقاش الدائر حول تطبيع بعض الدول العربية مع إسرائيل، كانت هناك وجهة نظر تنتقد هذه الخطوة ليس فقط لكونها تطبيعا مع بقاء الاحتلال. وانما لأنها جاءت بعد اعلان ترامب في نهاية عام 2017. بأن (القدس الموحدة) عاصمة لإسرائيل، وبعد إقرار الكنيست الإسرائيلي في صيف عام 2018 قانون يهودية الدولة. فإذا كان إعلان ترامب بخصوص القدس قد أخرج ملف إحدى أهم قضايا الحل النهائي في هذه المفاوضات، فإن الأكثر خطورة هو قانون يهودية الدولة لكونه يلغي تماما الحقوق الوطنية الفلسطينية، ويلغي العلاقة التاريخية بين الفلسطيني وأرضه ووطنه، ويضر مباشرة بمصالح جماهير الشعب الفلسطيني داخل الخط الأخضر، وبأي فرصة لهم لتحقيق المساواة.
نص القانون- بكل ما فيه من بنود وكلمة وحرف- هو أمر في غاية الخطورة، إلا أن مكمن الخطر الأساس هو في فلسفة هذا القانون واستناده الى الرواية الصهيونية الزائفة، ولمشروع صاغه الاستعمار الأنجلواميركي في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. هذا المشروع الذي بدأ باختراع "الشعب اليهودي" كما أوضح مؤرخون كثر ومن بينهم مؤرخون يهود اسرائيليون أمثال شلومو ساند. وبعد ذلك، ولأهداف استعمارية، تم ربط هذا الشعب بفلسطين عبر اعلان بلفور عام 1917، الذي قدمت خلاله بريطانيا وعدا للحركة الصهيونية بإقامة وطن قومي ليهود العالم في فلسطين، ومن ثم في صك الانتداب الذي أصدرته عصبة الأمم المتحدة عام 1922، وينص على أن هدف الانتداب هو إقامة الوطن اليهودي في فلسطين.
بهذا المعنى، فإن قانون يهودية الدولة هو وصفقة القرن عبارة عن النسخة الأخيرة من هذا المشروع الصهيوني الاستعماري، الذي لا يهدف الى تصفية القضية الفلسطينية، وإنهاء الحق الفلسطيني في وطنه التاريخي، وإنما هو أيضا أحد أهم فصول الهيمنة الاستعمارية على المنطقة العربية. لننظر الى المادة الأولى من هذا القانون ونرى أنها تقول: "أرض إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي وعليها أقام دولته"؛ لنلاحظ أنه لم يكتفِ بتزوير التاريخ، وإنما ترك هذا المشروع لنفسه المرونة التامة للتوسع، فهو لم يضع حدودا لأرض اسرائيل.
أما المادة الثالثة فهي تحرم الشعب الفلسطيني من ممارسة حق تقرير المصير على أرضه، ويحصر هذا بالشعب اليهودي.
مضمون المشروع الصهيوني الاستعماري منذ وعد بلفور وحتى قانون يهودية الدولة وصفقة القرن لم يتغير. فهذا المشروع قد وصف الشعب الفلسطيني بالسكان المحليين، أو بالأقليات الأخرى، وحصر حقوقه بحقوق مدنية ودينية، ولم يصل هذا المشروع في أي مرة لدرجة الاعتراف بالحقوق السياسية للفلسطينيين. الاستثناء الوحيد- خلال أكثر من مائة عام- هو الاعتراف الإسرائيلي بهذه الحقوق في اتفاقيات أوسلو عام 1993؛ لذلك تم اغتيال رئيس الوزراء الاسرائيلي الذي وقع على هذه الاتفاقيات اسحاق رابين، وبدأ التخلي الإسرائيلي عنها الى ان وصلت إلى طريق مسدود.
يعتقد مصممو المشروع الصهيوني، أن اللحظة التاريخية باتت سانحة لهم لتصفية القضية الفلسطينية؛ لذلك هم صرحوا بالنسخة الأكثر وضوحا بعنصريتها. ولكن كعادة كل العنصريين لا يقرأون التاريخ جيدا، ولا يقرأون الشعب الفلسطيني الذي لم يرضخ لمنطق هذا المشروع، ولم تضعف مقاومته له على امتداد مائة عام. ويحاول مصممو هذا المشروع، وهم يحاولون فرض صفقة القرن اليوم تجاهل الواقع ان الشعب الفلسطيني صامد على أرض وطنه، وهو محصن بالقانون الدولي والشرعية الدولية، وله دولة متجسدة على الأرض ومعترف بها، وأن ما حققه الشعب الفلسطيني وقيادته الوطنية من مكاسب لا يمكن القفز عنها أو تجاهلها.
الشعب الفلسطيني قاوم المشروع الصهيوني في كل مراحله ومحطاته، وهذه المقاومة لن تتوقف مع قانون يهودية الدولة وصفقة القرن حتى يحقق أهدافه بالحرية والاستقلال، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وعودة اللاجئين وفق القانون 194.