أطلس الصراع.. حكاية المشارط السياسية
كتب: رئيس تحرير صحيفة "الحياة الجديدة"
عن معهد ترومان للدراسات الاستشراقية التابع للجامعة العبرية في القدس المحتلة صدر كتاب "أطلس معهد ترومان: خرائط الصراع اليهودي – العربي" وفي هذا الأطلس عرض لتحولات خارطة فلسطين طبقا لتطورات هذا الصراع وهي تحولات كانت في كل محطة تضع على جسد الخارطة الفلسطينية، حدودا مؤقتة، وما زالت كذلك حتى اللحظة، لدولة الاحتلال الإسرائيلي...!! والواقع أن التحولات التي حصرها الأطلس تشبه إلى حد كبير تحولات "أوفيد" في كتابه الشهير "مسخ الكائنات" إذ مسخت خارطة فلسطين (على الورق طبعا) على نحو تعددت صورها، فلم تعد تعرف لها صورة محددة، ولا مساحة محددة ، وحتى الآن أيضا (...!!) فالاستيطان الإسرائيلي ما زال يقضم من الـ27 ألف كيلو متر مربع التي هي مساحتها الأصلية، ويضع في كل مرة حدودا مؤقتة، ومساحة جديدة لدولة إسرائيل ..!!.
بالنسبة لنا فضيلة هذا الأطلس أنه تحدث بهذه الحقيقة، بمهنية الدراسة البحثية، وإن كان بنخبوية أكاديمية، لم تقترب من طبيعة المشروع الصهيوني، وغاياته الاستراتيجية ...!! على أنه من الموضوعية أن نقول إن غاية معهد ترومان بهذا الأطلس الذي أعده، ورسمه، الباحث والكاتب الإسرائيلي اليساري "شاؤول أرئيلي" والذي يعد خبير الخرائط الإسرائيلي الأول، لم تكن غير غاية البحث عن السلام وإن كان على أساس عدم تجاهل "خرائط الصراع اليهودي العربي" وفي هذا السياق ثمة ملاحظات كثيرة تحتمل الكثير من الجدل..!!!.
ثمة حقيقة في كل هذا الإطار هي أن خرائط هذا الأطلس، لم ترسمها في الواقع الميداني، الأقلام، وإنما المشارط السياسية التي قطعت خارطة فلسطين، وفقا لمخططات الاستحواذ الصهيونية، بتحالفاتها الغربية، لتخلف جراحا نازفة في جسد هذه الخارطة وجسد أهلها حتى اللحظة، وأن هذه الجراح بقدر ما هي موجعة ومؤلمة للجسد الفلسطيني، بقدر ما هي باعثة للحمى والمرض في الجسد الإسرائيلي، وهذا يعني وبعيدا عن صورة أية خارطة أن الجسد الإسرائيلي لن يتعافى طالما ظلت جراح الجسد الفلسطيني نازفة ...!!