خلطة القدس الشرقية!
موفق مطر
نشرت القناة 20 الإسرائيلية مقابلة مع مسؤول إسرائيلي أرفقته بتقرير مصور محبوك بمهنية تحتمل القراءة بوجهين بالنسبة لنا كفلسطينيين، لكنه لا يحتمل أكثر من سمة الإنذار لسلطات الاحتلال خاصة ان المسؤول يتحدث – حسب الترجمة الحرفية لكلامه عن: "الجهد الفلسطيني الرسمي للسلطة وفتح للسيطرة على القدس الشرقية وفرض السيادة الفلسطينية عليها تحت عنوان الصمود في شرق العاصمة".
ووصف الجهود التي يبذلها "جهاز المخابرات العامة وتنظيم فتح ومحافظ القدس والوزير المكلف بشؤونها بخلطة من المبادرات والأنشطة هدفها إظهار سيادة فلسطينية وفرض حقائق على الأرض وتأسيس سيطرة للسلطة على شرق المدينة"، وضرب مثلا على ذلك بقوله: " اظهر هؤلاء مسؤولية السلطة تجاه مواطني شرقي القدس الذين تراهم السلطة جزءا من مواطنيها كمحاولتهم معالجة انتشار جائحة الكورونا في المدينة"، وقدم التقرير معلومات عن متابعة المخابرات الفلسطينية لقضايا وملفات تسريب العقارات والأراضي للمستوطنين ونجاحها في ذلك.
يعنينا اعتراف منظومة الاحتلال بحقائق ثقيلة من هذا النوع لتثبت للقاصي والداني ثقل الأمانة الوطنية التي تتحملها قيادة حركة التحرر الوطنية الفلسطينية في مسار العمل الوطني الحقيقي النقي من الجعجعة الإعلامية والخطابات العنترية المنبرية، ونعتقد أننا ما كنا بحاجة لإقرار منظومة الاحتلال بخطر عمل تنظيم حركة فتح في إقليم القدس، وكذلك الجهات المختصة في المؤسسة الأمنية الفلسطينية في متابعة ملفات تسريب الأراضي والعقارات، وبالجهود التي تبذلها مؤسسات السلطة الوطنية عبر المحافظة والوزارة المعنيتين بالقدس، لأن المناضل القائد الوطني الفلسطيني يمضي بناء على ثقته بقدرات وإرادة الشعب وطموحاته نحو التحرر والاستقلال، وفق منهج نضال وطني مشروع، وواجب الوفاء لقسم الإخلاص لفلسطين، لذلك نسمع الرئيس محمود عباس أبو مازن في خطاب لقيادة ومناضلي حركة فتح قد حدد جهة بوصلة الكفاح بقوله: "لكل أقاليم الحركة مهمات وطنية وأولوياتها وحدة الحركة، لكن لإقليم القدس خصوصية، ومهمة عظيمة، يجب علينا كلنا أن نحميه وندافع عنه وان نكون يدا واحدة معه لحماية القدس"... فالوطني يعمل بصمت، لا يكترث لحملات التشهير والتخوين وغيرها من إسفاف القول والاتهامات، فالانجازات الوطنية على الأرض لا تتحقق بخطابات فارغة إلا من زبد الكلام الذاهب حتما للجفاء... فإن كان الاحتلال قويا فإن شعبنا وقيادته أقوى بالصمود والصبر والعمل الحكيم الدؤوب المنظم لكسر القوانين الإسرائيلية القاضية بالتضييق على السلطة الوطنية الفلسطينية.
وجب النظر إلى تقرير القناة 20 (الإسرائيلية) بوجهيه الايجابي باعتباره إقرارا بنضال القيادة الفلسطينية الهادئ والحكيم العقلاني، وخططها التنفيذية المنبثقة عن الثوابت والأهداف والبرنامج السياسي الوطني باعتبار القدس الشرقية عاصمة دولة فلسطين المستقلة، والعمل المنظم المدروس لتأكيد مسؤولية دولة فلسطين عن سكانها باعتبارها جزءا من ارض دولة فلسطين المحتلة وعاصمتها إلى حين جلاء الاحتلال عنها وتجسيد السيادة الفعلية عليها، فيما يحتمل الوجه الآخر تلمس هدف القناة بتهيئة أجواء لدى الرأي العام الإسرائيلي والإشارة لجهات المنظومة المختصة لتشديد إجراءات أمنية وسياسية سابقة وتوسيع نطاقها ضد المواطنين الفلسطينيين في المدينة عموما، وحاملي الهويات الزرقاء تحديدا، ما يعني أننا قد نشهد فصلا آخر من القمع والحصار المفروض على مواطني القدس الفلسطينيين بالتزامن مع محاولات ساسة المنظومة حث إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على التراجع عن قرارها بإعادة افتتاح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، والتي يعني افتتاحها اعترافا أميركيا بأن شرقي القدس أرض محتلة تابعة لدولة فلسطين حسب قرار مجلس الأمن 2334 الذي مررته الولايات المتحدة الأميركية في عهد الرئيس الأسبق باراك اوباما.